لنا اليوم طُرف مع طائفتين، فالطائفة الأولى هي طائفة القصّاصين. «القَصّاص» أو «القاص» قديماً هو رجل يجلس عند العامة ويقص لهم القصص، وكان معروفاً عنهم الكذب والجهل، لكن مع ذلك كان الناس يجتمعون لهم ليستمتعوا بالقصص التي يروونها، ولهم طرائف، فمنها:
قال ابن خلف: قص قاص بالمدينة فقال: رأى أبو هريرة على ابنته خاتم ذهب فقال: يا بنية لا تتختمي بالذهب فإنه لهب. فبينما القاص يحدثهم إذ بدت كفه فإذا فيها خاتم ذهب فقالوا له: تنهانا عن لبس الذهب وتلبسه؟ فقال: لم أكن ابنة أبي هريرة.
وقال أحد القصاصين في معرض قصصه: يا إخوة ادعوا ليأجوج ومأجوج بالتوبة.
جاء قاص إلى قارئٍ يقرأ: «يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ» (والآية عن صديد أهل النار)، فقال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.
قال بعض القصاص: يا معشر الناس إن الشيطان إذا سُمي على الطعام والشراب لم يقربه فكلوا خبز الأرز المالح ولا تسموا فيأكل معكم ثم اشربوا الماء وسَموا حتى تقتلوه عطشاً.
وسئل أحد القصاصين عن التخمة فقال: لا أعلم، إلا أن الجوع عذاب، والأكل رحمة، وإن الرحمة كلما كثرت كان العبد إلى الله أقرب، والله عن العبد أرضى.
وهب رجل لأحد القصاص خاتماً بلا فص، فقال: وهب الله لك في الجنة غرفة بلا سقف.
وحكى أحد القصاص عن الفُرس شيئاً فقال: ونادى كسرى: الصلاة جامعة.
كان أبو عقيل القاص يقول: الرعد مَلك أصغر من نحلة وأعظم من زنبور. فقالوا: لعلك تريد أصغر من زنبور وأعظم من نحلة؟ فقال: لو كان كذا لم يكن يعجب.
وكان عبد الأعلى قاصاً: فقال يوماً: تزعمون أني مُراءٍ، وكنت والله أمس صائماً، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحداً.
أما الطائفة الثانية فهي الأعراب، فمما يُروى من طرفهم:
قيل لأعرابي: اخرج إلى الغزو، فقال: والله لأنا أكره الموت على فراشي فكيف أمشي إليه ركضاً؟
وكان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أصيبت عينه عام غزوة مسلمة القسطنطينية، وكان يطعم الطعام حيث نزل، فجاء أعرابي فجعل يديم النظر إلى المغيرة ولا يأكل، فقال له: ما لك يا أعرابي؟ فقال: إنه ليعجبني كثرة طعامك، وتريبني عينك. قال: وما يريبك منها؟ فقال: أراك أعور تطعم الطعام، وهذه صفة الدجال. فضحك المغيرة وقال: كل يا أعرابي فإن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.
وعن أحد الرواة قال: بلغنا أن بعض العرب خطب في ولاية كان قد تولاها فقال في خطبته: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر. فقيل له: في ستة أيام. فقال: والله أردت أن أقولها ولكن استقللتها.
ونظر أعرابي إلى ولد له قبيح المنظر فقال له: يا بني والله ما أنت من زينة الحياة الدنيا.
وصلى آخر خلف إمام فقرأ: «فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي»، فنسي، ووقف وجعل يرددها، فقال الأعرابي: فإذا لم يأذن لك أبوك نظل نحن وقوفا إلى الصباح؟ ثم تركه وانصرف.
وعن الأصمعي قال: خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار فأصابهم ريح عاصف يئسوا معها من الحياة، ثم سلموا، فأعتق كل رجل منهم مملوكاً، فقال ذلك الأعرابي: اللهم لا مملوك لي أعتقه ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثاً.