شرفت بزيارة المدينة المنورة ومسجدها النبوي المبارك مشاركاً في النشاطات الثقافي الذي تنظم له جامعة طيبة مصاحباً لمعرض الكتاب الدولي السنوي.
وكيف لا يشْرُفُ من يزور مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال؟ ومن يتسنى له تطبيق السنة في زيارة القبور بزيارة قبر خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله عليه وعليهم الصلاة والسلام، والسلام عليه، وعلى صاحبيه الكريمين أبي بكر وعمر، ثم زيارة البقيع وشهداء أحد للسلام على تلاميذ المدرسة المحمدية الجليلة؟!
كان العنوان الذي اخترته للأمسية الشعرية التي أقيمت ليلة الجمعة 25-4-1432هـ في الخيمة الثقافية المجاورة لمعرض الكتاب هو (مسامرات أدبية في حوار خير البرية) وهو عنوان ذو دلالة خاصة، لأن مكان الأمسية كان في المنطقة المركزية على مدى خطوات من المسجد النبوي المبارك، ذلك المسجد الذي كان يستمع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شعر شاعر الإسلام الأول حسان بن ثابت رضي الله عنه، وشعر شعراء الإسلام كعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك، والنابغة الجعدي، وغيرهم من الشعراء.
وكانت الأمسية مميزة بقربها من ذلك المكان الطاهر المفعم بنسائم التاريخ الإسلامي المشرق، المكان الذي أقام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبني دولة الإسلام الفتية القوية على مبادئ الحق والخير والعدل والإنصاف، وقد كان بناؤها مميزاً، لأن القول فيها ارتبط بالعمل، ولأن شعارها المرفوع كان منسجماً مع كل ما يجري فيها من الأقوال والأفعال، والأحكام.
أمسية مميزة جداً من الناحية الروحية، لأني وهذا ما سمعته من بعض من تحدث معي من الحضور - كنت أستمطر غيث ذاكرة تاريخنا الإسلامي فينهل عليَّ كما ينهل العطر النقي، فأكاد أتلمَّس بيدي جدران مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوائم محرابه، وحبات الحصى المفروشة في أرضه وتلك السواري والأعمدة الخشبية التي شرفتْ بإسناد أفضل الخلق ظهره إليها متحدثاً إلى الناس، أو منتظراً إقامة الصلاة، وأكاد أسمع صوت حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو يلقي قصائده منافحاً عن الإسلام ورسول الله يصغي إليه، وجبريل يؤيده وهو يردد على مسامع وفد تميم.
إن الذوائب من فهر وإخوتهم
قد بيَّنوا سُنَّة للناس تُتبَّعُ
ويردد منافحاً عن أفضل الخلق:
أمنْ يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء
وأكاد أسمع صوت عبدالله بن رواحة وهو يقول:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروفٌ من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
به موقنات أن ما قال واقع
كانت أمسية مميزة بجمهور متذوق يستنفر باهتمامه ومتابعته خيول القوافي فتستجيب له صهيلاً يطرب، وركضاً يعجب، وكذلك خيول الشعر يستثيرها التذوق والفهم لأبعادها ومراميها.
قدَّم الأمسية الدكتور منصور بن ناجي القش وكيل عمادة التربية في جامعة طيبة تقديماً أدبياً شعرياً جميلاً يناسب المكان والزَّمان، وقد أطربنا بقصيدة له رحَّب فيها بضيف الأمسية يقول في مطلعها:
في طيبة الخير يحلو إخوتي السمر
وينتشي فرحة من حفلنا القمر
إنها المدينة المنورة، تلك الواحة التي تسعد بها النفوس، وتترقى فيها الأرواح، ويزدحم مسجدها وساحاته بعشرات الآلاف من الزائرين من أصقاع العالم حتى لا يكاد يجد من يتأخر إلى وقت الإقامة موقعاً يتمكن فيه من الصلاة.؟؟؟