لئن أُطلقت مسميات وصفات لبعض المدن السعودية كالمدينة الصحية الأولى ومدينة الزهور ومدينة التمور؛ فإن عنيزة تستحق بجدارة لقب (المدينة المتسامحة).
فهذه المدينة الوادعة حين اختارها نبات الغضا ليلوذ في ربوعها ويسند رأسه على كتفها، ما كان سيفعل لو لم تكن لها سماتها الجميلة وروحها الآسرة التي تفوقت على غيرها ببشاشة وجوه أهلها، وفرحهم بضيوفها وحسن استقبالهم وضيافتهم بالنفوس قبل الأماكن و(الطعوس)!
ولقد سعدت بزيارتي لمدينة عنيزة للمشاركة في المهرجان الثقافي الثالث المقام في مركز ابن صالح وبإشراف متميز من مركز الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وبرعاية كريمة من لدن سمو الأميرة نورة بنت محمد، تلك الأميرة المثقفة التي استحوذت على مشاعر سيدات القصيم بدماثة خلقها وتهذيبها الرفيع وتعاملها الراقي.
والحق أن الزائر يدهش حين يتجول في أركان المركز وردهاته ويعجب من وجود قلعة جبلية تدعى (الصَّنقَر) حيث كان يأوي لها المعلم الجليل الشيخ صالح بن ناصر الصالح مؤسس التعليم الحديث في نجد. وقد حرص القائمون على المركز أن تكون تلك القلعة الشامخة معلَما داخل المركز يخلد ذكرى ابن صالح، هذا الرجل الذي منح أهل عنيزة العلم عدة سنوات، فمنحوه الوفاء للأبد، وخلدوه بمحفل سنوي يقام كل عام على مستوى راقٍ من التنظيم والترتيب.
اطلعت على صور توثيقية للمهرجانات السابقة، فرأيت لوحات مختلفة تحمل صوراً فوتوغرافية للمشايخ والفنانين على حد سواء، عدا عن المثقفين باختلاف توجهاتهم المتعددة وتصنيفاتهم الفكرية الحديثة، وتوقفت طويلاً أمام تلك الصور فأثارت لدي مشاعر الوطنية التي يحرص القائمون المخلصون في بلادي وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على ترسيخها مما يقوي اللحمة الوطنية ويحفظ كيان الأمة من التصدع.
هبوني مدينة متسامحة تدعو لمهرجاناتها الثقافية جميع المثقفين الوطنيين على اختلاف أطيافهم وتنوع أفكارهم برغم تحفظ بعض المشككين وتربصهم بالأسئلة الملغمة بالنوايا المبيتة مسبقاً، إلا أنه في النهاية يذهب الزبد ويبقى ما ينفع الناس؛ ليؤكد الرجال الحكماء ثباتهم عند رأيهم وتقديرهم للمشاركين؛ لقناعتهم بمستوى فكر ضيوفهم وسلامة مقاصدهم ودفق عطائهم وتحملهم مسؤولية الكلمة وحرصهم على جمعها بعيداً عن التطرف والإقصاء.
فسلام على عنيزة وعلى الجمعية الصالحية وعلى (المسوكف) وعلى ابتسامة (أبو علي) المتفائلة وهو يؤدي مهنته بخفة ومتعة تمنيت أن يمنح شبابنا ولو جزءاً منها.
وسلام على رجال عنيزة العاشقين لمدينتهم، وتحية إكبار لهم لما يحملونه من تقدير واحترام للمرأة عموماً، وللمشاركات في المهرجان والزائرات له من جميع أرجاء المملكة بشكل خاص، حتى لقد تولد لديهن انطباع رائع عنهم، وأدركن سبب تفوق سيدات عنيزة وبروزهن المبكر في جميع ميادين التعليم والصحة والتجارة والعمل الاجتماعي، وما تحمله نفوسهن من روح المبادرة ومشاعر الثقة والانطلاق التي يوفرها عادة وقوف رجل شهم بجانب المرأة أو بقربها يساندها ويمنحها الأمن والطمأنينة والتشجيع. مما أشاع روح الرضا بين الطرفين فتضوعت مشاعر الثقة، وهبت نسائم التسامح، فنشأ جيل منفتح على الآخر، متقبل له، مقبل عليه، باسط له يد الأخوة.. وهو ما نتطلع له، وتهفو نفوسنا لتحقيقه بأن تكون لدينا مدن متسامحة، وصدور واسعة، ونفوس كبيرة كمدينة عنيزة ونفوس أهلها الكرام!
كانت مدينة عنيزة - بحق - إبان المهرجان تشدو ثقافة، وتغرد وعياً، وتعزف أوتار التسامح مختلطاً بصوت السامري المترع بالوفاء لأبناء الوطن، فشكلت كرنفالا من الحب ووضعت بصمتها وشما على جسد غادرها بلا قلب! فتحولت تلك المدينة الحبيبة من متفضلة إلى متهمة في سرقة القلوب وسلب الألباب!!
www.rogaia.net