للمكان، والزمان، والعابرين بالسمع، والبصر،... وللهواء والتراب، والبقايا المتكدّسة في الذاكرة وشم كالشجرة، ذو جذور وبذور، ونيف الفروع، وهيف الدّعة، ووخز الحسرة، وبهجة الفرحة، ومكمن الحنين، ومبعث التوق، وتداعي الصور، وانثيال المواقف، ويقظة المكنون،..
والذاكرة، العجيبة المندسّة في كمون، لا تتجافى عن الحضور، حين استدرار غيماتها، في يباب ما حول الزمن، وقد مضى، والصحب وقد ودعوا، والأحبة وقد بانوا، والأرض وقد تبدّلت رسوماتها، وتغيّرت تفاصيل خرائطها، وجغرافية ما تحرك فوقها،..
بين يديّ كتاب وقصيدة..
الأول أنهيت قراءته بلهفة دعوة جمال تعبيره, وثراء محتواه...،
والثانية رددتها مراراً بتوق لزمن باغتنا بظهره..,
فتقنا لملتقاه..
كلاهما يحملان العنوان ذاته، «طفولة قلب»..
وأيُّ منا لم تراوده طفولة هذا القابع بنبضه تحت ضلوعنا؟، يتكتل كثيراً بصمته،..
يحن ويئن، يستدعي، ويرعى، لهفة كفين، ودمع عينين، ومحضن ساعدين، ويستحضر موطئ قدمين.. وظل كتفين، من رافق وربّى، ومن علمَّ ونشّأ، ومن بذل وأخلص، ومن أحب وأفدى، ومن أسقى فشرب, وأطعم فأُكل، وما عطر وأشذى، ومن أسمع وبقي، وفعل وبصم.. من الأم والمحضن، والأب والسند، والأخ والعضد، والمربي وأثره، والصاحب وصداه، والحلم ومسراه..,
والركض فوقها أرضاً سخية بجناها، والدب تحتها سماءً ظليلة بمداها..؟؟
الكتاب « طفولة قلب « سلمان العودة، سفر درب، مرجع للزمان، والمكان بكل نبضة صوت فيه، وهمسة صمت استدعاها، ببديع أسلوب، وجميل تعبير، وعميق تفكير..
القصيدة « طفولة قلب» محمد جبر الحربي، هزة شوق فغنَّى، وأطرب بالحنين مداه..
مفعمة بحياة لا تنضب في صدر شاعر، ولا تبهت في محبرة ملهم..
سفر حياة العودة انبسط من شهقة الوجود فيه، إلى نهضة الثبوت له.. من مراتع البراءة، إلى مقاعد المنابرة..
صوراً حية استوعبتها الحروف..
انثيال الطائف في خفقة حنين الحربي أشعل الغناء في حضرة أميرته..
مكنوناً بهيا استدرجته مخيلة مبدعة
العودة نثر، وشمل، فأبدع...
والحربي قصد، وألمح فأبدع..
تأثير المكان, والزمان، والشخوص، مكنون العجيبة المندسّة فينا.., كلّما هبّت ريح الحنين, مسحت علينا بقطرها, فاغتسلنا من عوالق الحاضر..، لنكون شفيفين في مقابلة
ما تحضره للخافق, فتعود نسائمه، عمراً بين يدي النثر, والشعر في هيئة الكلام..
وأي كلام هذا الذي يسلمنا نبض قلبين في منتهى طفولتهما..؟
يا للبراءة يستلهمها الحضور الطاغي لحس ينطق بإبداع، في سيرة رمزين جميلين في معجم مفكرينا... جاءا في كتاب مضيء، وقصيدة مشرقة..؟
على الأقل رطباً جفاف النبع، واستلهما التوق للأدب الراقي..
أمتعني كثيراً مكنون ذاكرة العودة, والحربي..
وبقي في داخلي منهما وهج جميل..
فأجمل ما أضاءاه، هو ما في العجيبة المندسّة في داخلي..
إذ عاجلتني بفيض ما فيها، في إثر ذاكرتيهما...
حضر شريط الركض وراء الأحلام حين تحوّلت في مجملها فعلاً نابضاً، وجنياً نكها..
كالذي في طفولة قلب العودة..
وحضرت الطائف جلية بعنبها ورمانها.. ومطرها وغيومها، ومفاتن بساتينها،..
في استدعاء حنين الحربي.
كلنا بين جنوبنا قلوب كما البراءة في طفولة فطرتها..
ولكن من تمنحه العجيبة في داخله كل هذا الجمال..؟