قرأت في صحيفة الجزيرة الغراء في العدد رقم 14038 وتاريخ 10-4-1432هـ مقال تعقيبي للدكتور ناصر بن عبدالعزيز العرفج رداً على مقالي الصادر في الصحيفة نفسها في العدد 14017 في 10-3-1432هـ والعدد 14025 وتاريخ 18-3-1432هـ والتعقيب يحتاج مني إلى وقفات وهي:
الوقفة الأولى: تحياتي للدكتور ناصر والقراء الكرام وأقول: عندما بدأت في كتابة مقالي الأول تأبطت الحرص جداً لأنني أمام دكتور فاضل له مقامه ومكانته وقدره وتأبطت القول المأثور: وخالق الناس بخلق حسن وسرت في ذلك قليلاً ثم دخلت في حوار ونقاش أشبه ما يكون بالمرافعة التي تحتاج إلى ألفاظ منطقية مركزة فكيف أوصل وجهة نظري وأوضح حجتي إلا بتلك الألفاظ المركزة التي تجعلني للحق مبيناً ليس لي إلا ذلك أو تكرار الأيمان الباره، وهذا ليس مستساغا شرعا وعقلاً فمن يقول لي 1+1=3، هل أحلف له اليمين البارة بأن 1+1=2، أو أقول له يا أخي لا تغالط 1+1=2 راجع كذا اقرأ كذا، لا شك أن هذه الألفاظ فيها جفاف ولكن.
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
ولا سيما، إذا كان المترافع مثلي، محصوله الثقافي واللغوي والعلمي، متواضعاً، ووضعته الأقدار أمام، دكتور جهبذ لا يشق له غبار.
الوقفة الثانية: استعرض الدكتور ناصر في تعقيبه جميع فصول الكتاب ثم قال: (ألفت نظر الأستاذ علي العسكر بأن يعيد قراءة الصفحات من (111) إلى (146) لكي يعيد النظر في حكمه بأنني صورت أهل الخرج وكأنهم يتفرجون على ما يجري) وأقول: للدكتور ناصر: أنا قلت في مقالي السابق الحلقة الأولى: (ثم وصلني بعد ذلك كتابه الثاني - وهو عنوان مقالتي هذه فقرأته وسرني جميع ما فيه ومن فيه من العلماء والأمراء والقادة والمواطنين فإنهم يستحقون كل ما قاله المؤلف عنهم وأكثر من ذلك) أي أنني أثنيت على الكتاب كاملاً وعلى من فيه ولم أقل إن الدكتور ناصر، (صور أهل الخرج وكأنهم يتفرجون على ما يجري) الدكتور -سامحه الله- يقولني ما لم أقل (راجع مقالي السابق) وستجدني قلت (ولكن ما ساءني هو الجزء الأخير من الفصل الخاص بقادة السرايا المشاركين في معارك توحيد المملكة مع الملك عبدالعزيز لأن هذا الجزء صور أهل الخرج أمام القراء والأبناء والأحفاد وكأنهم يتفرجون على ما يجري وذلك خلاف الواقع الموثق والمدون ثم قلت: واختزل مشاركة أهل الخرج في توحيد المملكة في ثلاث أشخاص وبذلك حصل الإجحاف والتقصير والإقصاء لمعظم قادة السرايا المشاركين في معارك توحيد المملكة) (وضع عدة خطوط تحت كلمة لأن هذا الجزء صور).
الوقفة الثالثة: يطلب مني الدكتور ناصر: أن أفتح الكتاب مرة أخرى (ص 135) لأرى أنه تحدث عن أسرة آل عفيصان وأقول للدكتور ناصر: نعم تحدثت عنهم في الكتاب إلماحة عراضة من دون تفصيل ولم تعقد لهم تراجم وهم قادة جيوش والكلام الذي دونته عنهم في مقالي ليس من عندي ولا من أسلوبي وإنما هو من كلام الشيخ: عبدالله بن خميس وغيره كما هو مشار إليه في الهوامش أي أنني لم أكتشف مجهولاً وإنما أوردته استشهاداً ثم إني أحب أن أوطن نفسي على قول الحق والحيادية وفي نفس الوقف أجمع الشواهد والأدلة وأقوي حجتي وبراهيني بما هو حق على أن كتاب (الخرج في عهد الملك عبدالعزيز) أهمل جزءاً كبيراً من قادة السرايا من أبناء الخرج ولا يحسن بي أن أهملهم أو غيرهم وأنا أعلم ولو أني فعلت الإهمال لكنت كمن ينهى عن خلق ويأتي مثله والأولى بمن يكبرني علماً وثقافة أن يكون قدوة فلا يبصر المحامد مثالب.
الوقفة الرابعة: يجب أن نقف طويلاً لنرى خطة البحث التي تخص قادة السرايا ويتمترس بها الدكتور ناصر، يقول الدكتور ناصر في تعقيبه أما ما يتعلق بقادة السرايا الذي هو من ملاحظات الأستاذ علي: فإن الثلاثة الذين ورد ذكرهم في الكتاب هم الذين تم تكليفهم من الملك عبدالعزيز رحمه الله وهذا لا يعني أنهم الوحيدون الذين كلفوا بقيادة السرايا ثم يقول ولكن البحث تبعاً لخطة الكتاب معني فقط بمن تم تكليفهم من الملك عبدالعزيز ويؤيد هذا المفهوم ما ورد حرفياً في آخر الصفحة (الصفحة 112 وأول الصفحة 113) من الكتاب انتهى. كلام الدكتور في تعقيبه على هذه الجزئية وهي جزئية قادة السرايا.
أقول تعالوا أيها القراء الكرام نفتح آخر الصفحة (112) وأول الصفحة (113) لنرى خطة البحث في الكتاب والتي يقول: إنها تخص قادة السرايا ويتمترس بها الدكتور ناصر والصحيح أنها تخص القضاء والمهام الإدارية الأخرى أما خطة البحث الدقيقة لقادة السرايا ستأتي في نهاية هذه الوقفة أما الآن فإليكم خطة البحث المزعومة لقادة السرايا ومع ذلك فهي حجة ضده وهي (وفي هذا الفصل يتم استعراض أبناء الخرج الذين كلفهم الملك عبدالعزيز بالمهام المختلفة وهذا لا يعني أن لهم دوراً مميزاً يميزهم عن بقية الأدوار التي كلف بها بعض أبناء المدن الأخرى ولكن كما هو معروف، فإن الدراسة مقتصرة على تسليط الضوء على منطقة الخرج في عهد الملك عبدالعزيز لذا يكون الحديث مقصوراً على أبناء المنطقة الذين كان لهم الشرف في خدمة دينهم ومليكهم ووطنهم) اقرأوا معي العبارات التالية في النص السابق (استعراض أبناء الخرج الذين كلفهم الملك عبدالعزيز بالمهام المختلفة) (الدراسة مقتصرة على منطقة الخرج في عهد الملك عبدالعزيز.
ثم تعالوا اقرأوا مرة أخرى أسماء قادة السرايا الذين لم يترجموا في الكتاب مع أنه قد وردت أسماؤهم في مراجع تاريخية موثوقة جرى ذكرها في مقالي السابق وهم:
1 - سعد بن عفيصان.
2 - سليمان بن سعد بن عفيصان.
3 - حمد بن عسكر.
4 - علي بن هديهد.
5 - خالد بن حشر.
6 - محمد بن محمود.
أليس هؤلاء من أبناء الخرج؟! ألم يقودوا سرايا في عهد الملك عبدالعزيز حسب ما تقوله المراجع التاريخية ألم يخدموا دينهم ومليكهم ووطنهم بذهابهم لميادين القتال؟!.
ألم يكلفوا؟ بلى: وردت أسماؤهم في السجلات الرسمية كما تشهد به المراجع الموثوقة وهذه من قواعد الدكتور ناصر إذن من الحق لهم أن يترجموا في كتاب (الخرج في عهد الملك عبدالعزيز).
والدكتور ناصر لديه إشكالية في كلمة كلفوا.
وأقول: وهل يعقل أن تتشكل سرايا أو غزوات إلا بأمر الملك لقادة الجيوش والسرايا وهذه من البديهيات التي تدرك عقلاً ومنطقاً فلو حصل خلاف ذلك وتشكلت سرايا وخاضت حروباً من دون أمر الملك لأصبحت تلك السرايا خارجة على القانون والولاية، يجب تأديبها وكلنا يعلم من التاريخ يا دكتور ناصر أنه في عهد الملك عبدالعزيز تشكلت سرايا وخاضت حروباً بدون أمر الملك فجرد لها السيف ودحرها وأعادها للصواب وتلك كما قلت آنفاً من البديهيات لأنه لا يحسن بصاحبي العاقل الذي يمشي بجانبي في الشارع في يوم صائف وفي عز الظهيرة أن يقول إن الشمس غائمة وهو يحس حرارتها تلسع منكبيه وضوءها يبهر عينيه.
وأقول للدكتور ناصر وللقراء الكرام لقد وعدتكم قبل قليل بخطة البحث الدقيقة في الكتاب الخاصة بقادة السرايا والدكتور ناصر في تعقيبه لم يشر إليها، البتة وإليكم هي: في آخر (ص 125) وأول (ص 126) ستجدونها مطابقة للجزئية التي نتحدث عنها وهي ثلاث قواعد ومن المعلومات التي تبين الشروط التي بموجبها، يتم تدوين أسماء وأمراء المدن والقرى وقادة السرايا في الكتاب من أهل الخرج وهي: (ومن المهم التنبيه إلى أن جميع من وردت أسماؤهم وتراجمهم، ممن تم تكليفهم بالإمارة، أو قيادة بعض السرايا من أهل الخرج لم يدون شيء منها، إلا بعد التأكد من صحته، وذلك باستناد المعلومات إما على ما تم الحصول عليه من 1- وثائق، 2- بيانات للخدمة،3- مراجع موثوقة.
وفي حالة حدوث إسقاط أسماء أشخاص من هذه الفئة فإن السبب الوحيد في ذلك يرجع إلى عدم التمكن، من الحصول على المعلومات التي تثبت تكليفهم علماً بأنني بذلت ما أستطيع في جمع ما أمكن جمعه والكتابة عنه ولقد حرصت كل الحرص، في أن يكون هذا الفصل مثل بقية فصول الكتاب الأخرى، بعيداً عن الدعاية لأن الكتاب كتاب تاريخي وليس إعلامياً) انتهى.
ولكن الدكتور سامحه الله تعمد إبعادنا عن هذه الخطة وأشار إلى (ص 112) و(113) لأن آخر (ص125) وأول (ص 126) من الكتاب فيه الدليل المقنع وهو (المراجع الموثوقة) حيث اعتبرها في النص السالف من المعلومات التي تثبت تكليفهم والقادة الذين ذكرتهم في مقالي السابق تشهد لهم المراجع الموثوقة، وتلك هي قاعدة الدكتور ناصر التي وضعها في كتابه لهذه الجزئية فهل تقنعه قواعده؟!
إن الاقتناع لا يعني سقوط ورقة التوت.. وإنما هو رجوع إلى الحق والحق أحق أن يتبع مع العلم أني قد ناقشت تلك النصوص في مقالي الأول، وأوردت البراهين التي تنطبق على قادة السرايا الستة الذين وردت أسماؤهم في المقال الأول أيضاً بموجب النص الموجود في الكتاب (ص 125) و(ص 126) وأثبت حق دخولهم التاريخ بالمراجع الموثوقة التي أشرنا إليها في المقال الأول فيحسن الرجوع إليه. ثم يشير الدكتور في تعقيبه إلى (ص 146) من الكتاب وأقول للدكتور ناصر لا حاجة لها لأنها تخص إمارات المدن والقرى والخلاف ليس في هذا الموضوع وأقول خلاصة هذا الوقفة لقد أوردت في مقالي السابق أربعة من قادة سرايا أهل الخرج المشاركين في حملة سمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد عام 1351هـ في عهد الملك عبدالعزيز ولكن الدكتور ناصر يقول في تعقيبه إن هؤلاء لم يكلفوا بالمشاركة من الملك عبدالعزيز بناء على مرئياته العقلية التي استجدت في رأسه، بعد سنة من صدور الكتاب مع أن خطة قواعد بحثه في الكتاب تخالف مرئياته، التي استجدت في رأسه بعد مقالي الأول وإلا كيف دونت أسماؤهم في السجلات الرسمية للدولة؟ إنه مما يدرك عقلاً ومنطقاً أنهم قد شاركوا بناء على أمر الملك ودرايته وهذا هو ما تؤيده المراجع الموثوقة، التي كتبها مؤرخون معتبرون وجدوا أسماء أولئك القادة في السجلات الرسمية للدولة، حسب ما وثقه الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى سابقاً في مجلة كلية الملك خالد العسكرية العدد (57) في 5-10-1419هـ وحسب ما أورده الدكتور: أبو سعيد عمرو بن غرامة العمروي في كتابه (منطقة تثليث وما حولها عبر العصور) الطبعة الثالثة.
الوقفة الخامسة: أورد الدكتور ناصر: قول الله جل في علاه: (إن بعض الظن إثم) وأقول: قول الله أصدق قول: ولا شك أن بعض الظن إثم، وحوارنا ومناقشاتنا لم نستند فيها على ظنون وتخيلات لأننا لا نتحدث ونتناقش عن مغيبات بعيدة عن حواسنا، بل نتحدث عن كتاب نلمسه بأيدينا ونقرأه بالبصر والبصيرة، نحن نتحدث عن شيء حاضر بيننا كتاب فيه أقوال وأساليب وأفكار وعاطفة.
فأنت عندما تقرأ الكتاب أي كتاب كان بتمعن ورؤية فمعنى ذلك أنك تقرأ مؤلفه وتعرف شخصيته وعواطفه ومراميه وأهدافه وكيف تناوله للنصوص هل يحملها أكثر مما تحتمل؟! هل يلوي أعناقها؟! هل يستعملها في غير محلها؟ هل يراعي الحقوق الأدبية والمعنوية للآخرين؟! هل يستعمل الشروط والقواعد التي وضعها في كتابه ويجعلها ميزاناً للمتماثلين؟! هل لديه عمق عقلي؟! هل يستعمل المنطق؟ هل لديه حيادية؟ وهل؟! وهل؟!.. الخ.
يقول رميزان بن غشام التميمي قبل ثلاثمائة سنة وأكثر لمرسوله الذي أرسله بقصيدته هذه لأخيه رشيدان:
انقل وقيت رسالة مكتوبة
فإن الكتاب بيان عقل الكاتبا
الوقفة السادسة: أرجو من الدكتور ناصر أن يعتبر كل ما صار، مناقشة تلميذ لأستاذه فلا يؤاخذ تلميذه فيما لو بدر منه شيء لا يدرك عقله أبعاده، ولقد تصورت وقدرت في فكري بحكم خبرتي التربوية التي أزعمها لنفسي أن الدكتور ناصر سلمه الله لو كان ترجم في كتابه، الخرج في عهد الملك عبدالعزيز) لجميع قادة السرايا الذين شاركوا في معارك توحيد المملكة من أهل الخرج لكان في ذلك تربية وطنية وتكريساً للولاء والفاعلية والسمع والطاعة والتضحية والفداء في عقول الأبناء والأحفاد اقتداء بآبائهم وأجدادهم.
فتزداد فاعليتهم فيما ينفع الوطن وتنميته، ويزداد حبهم وتلاحمهم ووفاؤهم مع ولاة أمرهم فإن وجد هذا التصور قبولاً عند الدكتور الفاضل العزيز فهذا ما أريد، وإن كانت الأخرى فأجدني أردد: قول الشاعر العامي:
اللي يضيع الليل يرجي النهارا
بس.. اللي يضيع القايله من يقديه
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، واحفظ علينا أمننا ووحدتنا، في ظل هذه الولاية الراشدة، آمين.
علي بن حمد بن عسكر