(وينشأ ناشئ الفتيان منّا
على ما كان عوّده أبوه)..
قول شاعر حكيم.. سرى بحكته إلينا..
والصغير كيفما نشأ، والفعل كما تعوّد..
ولعلّ مسؤولية التنشئة محور ما يتعلّم، وما يتعوّد، ومن ثم ما يفعل..
وإن أخذنا عادة القراءة الجادة، النافعة، المثمرة، التي تنعكس سلوكاً فكرياً، ومن ثم مواقف مفعمة بالوعي، منتجة لأثر في موضوعها، يسلكها عندما يكبر، وقبلما يكبر، وعندما يحتك بموجباتها، فإنها لا تتكوّن إلاّ منذ الطفولة والصغر،...
فمفهوم القراءة لا ينفصل عن قيمتها، ولعل ليس من لا يدرك ذلك المعنى وتلك القيمة..
فمن الذي يجعل من نفسه قدوة للصغار؟
وأي مؤسسة تعليمية تجعل حيزاً زمنياً في خطتها الدراسية للقراءة الحرة, ضمن ما تجعله للموضوعات المعرفية الأخرى..؟..
وتحلل الصغير الدارس من متطلّب القراءة الصامتة لقطعة نثرية, أو قصيدة مفروضة، ومن ثم يتم ذلك المشهد، بإعادة المعلم لقراءة القطعة المقررة - لا المطلق اختيارها من قبل الصغير -, ومن ثم إثارة الأسئلة, عن مفهوم الكلمات فيها, والفائدة المستخلصة منها، تلك «الحصة الدراسية» لا تكفي، ولم تعد تجدي، ولعلها خطوة مبدئية لترسيخ مفهوم القراءة ما ينم عن القراءة، غير أنها ليست مبتدأ التدريب عليها المثمر وحده، ولا الدافع الأوحد لتمكينها من السلوك التلقائي بالميل إليها، والشغف بها والممارسة لها، في كل وقت فراغ، إلى جانب تخصيص وقت ثابت لها في الممارسات اليومية، كما هي شعوب العالم التي نعرف جميعنا، أن فيها الرفيق الوحيد لسد فراغات الوقت, في المحطات عند الرحيل والإياب، أو في الانتظار لقادم حركة للمسير هو الكتاب..
فليكن البدء الجاد، لتكوين عادة القراءة الجادة لدى الصغار عن سبيلين: الأول القدوة المعينة الماثلة أمامهم في البيت، من تعينهم على حسن اختيار النافع المسدد لحاجاتهم المعرفية والثقافية, ومن لا يبخل عليهم بوقته من أجل هذا الهدف، والثاني تعديل الخطط الراسية بإضافة حصة وأكثر في الأسبوع للقراءة الحرة، وهذا يتطلب إعادة التفكير في تأسيس المكتبات في كل مدرسة، جنباً إلى جنب «ركن التغذية» ومعمل التجريب، وساحة اللعب، وفصل الدرس,..
فإن لم يتحقق ذلك ضمن مواصفات المباني المدرسية, فلا أقل من أن يختار الدارس الكتاب الذي يريد قراءته، فيحضره معه، وقد يتحقق من هذا المقرر «القراءة الحرة»، أن يزداد الحماس لدى الصغير, لإكمال ما يقرأ في البيت، فتتواصل بذلك، وتتلاحم الغاية بين البيت والمدرسة، في تكوين عادة القراءة الجادة عند الصغار، ليصبحوا أناساً يفكرون.. يعرفون ويعلمون، ويستطيعون أن يتعاملوا مع معطيات واقعهم بثقة.