إيران.. ليست بستان نخيل، ولا نهرًا عذبًا، ولا نباتًا ملونًا، ولا كوز عافية، ولا قصيدة زهو، ولا انتشاء نصر، ولا جنة وارفة، ولا هديل يمام، ولا غيمة متهادية، ولا قوس مطر، ولا رقصة فرح، ولا بهاء ربيع، ولا دفء شمس، ولا حنو أم، ولا سنابل قمح، ولا خبز حنطة،
ولا الأرض والخصب والطبيعة والكون والحياة، وليست الفارس والسيف، إنها عيدان قصب، وخطوط باهتة، ومومياء عتيقة، وأوعية رمل، ودوحة قتل، إنها تحرق النار والهشيم، والراكب والمركب، لا ضفتيها تلمع، ولا فصولها تلفح، تبحث عن خفايا الأشياء والأرواح لتحيلها نحو الهاوية والمدار واللهب والتشرذم.. إيران.. لا تعرف إلا رياح الجنون، وعبث الأفعال، والصراخ والعويل والبكاء الحاد واستجداء السراديب العتيقة والقبور، ليس للفضاء عندها ظل، ولا للشروق لون، ولا للسلام رايات، في أقوالها أعمدة ملح، وفي أفعالها رائحة موت، إنها تسف الأشياء سفًا، تنعق كالغراب، تتلون كالحرباء، تخادع كالثعلب، تلدغ كالعقرب، تنخر كالسوسة، ليس لها عهد ولا وعد، ولا إلاًّ أو ذمة، إنها مثل دابة مسمومة لحمها مر وطعمها مر وأكلها موت محقق، إنها عناقيد أسى، وشوك دامٍ، وحريق ملتهب، وفاجعة مرة، وتجاعيد وجه عابس، إنها مثل عربة قديمة خربة تدب في دهاليز العتمة، إنها غروب الأرض، وأسنان موتى، وجماجم شوهها الدم والتراب.. إيران.. في أفعالها تشبه النسوة (الندابات) اللاتي يدرن من بيت إلى بيت في أوقات العزاء يهيجن الأحزان ويستثرن الدموع ويلهبن اللطم على الصدور، إنها أرض السواد والفاجعة والظلام، إيران لا تحب أن تنام إلا على شغب ودم، ولا تفيق إلا على شغب ودم، تفتح أبوابها وشبابيكها للنواح، وتغلق أبوابها وشبابيكها لتجلس في ظلمة الانكسار المخيف، لها وحشة، ومرثيات طويلة ومدمرة، وإيقاعات صاخبة بسبب لعبها الذهني على الشعوب، حيث تجتاح مسافات العقل وتسبق الانفعال المحتبس فتجهضه وفق نشيج ممزق يكسبه الشعور بالإثم والمظلومية البغيضة، إيران ليس لها تبرير أو عقلنة، يمكن أن تطفئ الإحساس بالذنب تجاه الآخرين، لديها ثغرة جارحة وسيئة في علاقتها مع الأمم، إيران جلدها ليس مطرزًا بالشذر ولا يتلون بألوان الطبيعة، إنها تصطبغ بصبغة واقعها المرير، واقع الخسارات الباهظة والأفكار العقيمة، ليس لها وضوح عقلي، ولا فسحة تفكير ذهني، بقدر قدرتها وعبقريتها على صياغة المرثيات والبكاء لها، إن نسيجها الاجتماعي ممزق، ليس له عافية ولا مفتاح أمل، ولا تحقيق رغبات واعتبار، سوى الانكسارات وصور المحنة والخذلان المرير، إيران لا تملك سوى الجعجعة، وذر الرماد، ومضاعفة العذابات، وخلق الفوضى والحروب والإعاقات ودخان السواد والمكر، إيران عكاز العبث وفانوسه، وحاملة صرته المليئة بالخبث والأسى والخبز اليابس، إنها تذنب وحدها ولا تستحي من ذنوبها أو تغتسل منها، لها بعد إدراكي مكفهر تتكفل بتثبيته، أغوت القصر للإقامة في بيتها الطيني، قبل أن تأخذ أرواحهم مثل ملك الموت، إن النزعة الخلودية تتأسس على قواها اللاشعورية الذي يقر بالفناء، والذي يتجاوز فعله أطر الزمان وتحديات المكان، ولا محل للغرابة من التناقضات التي تسود بين مكوناتها وأقوالها وأفعالها، بل إن التضاد من سماتها، وضمن عوالمها التي تطفو واضحة للعيان..
إيران.. لها صورة في المظهر، وأخرى في الجوهر، لها نقمة معلنة لكن مختفية تحت أستار الأفعال السوداء، إيران.. لها انهجار يصحي القلق المكبوت قديمًا، قلق العظمة والتعملق حتى لو أدى هذا الانهجار الى تفجير الأمور تفجيرًا يخلق غلالة غضب تحجب أبسط الحقائق الكونية عن عيون البصيرة والوعي، إنها لعوب تعرف كيف ومن أين تأكل كتف اللذة حتى لو كانت في جحيم الثكلان، لكن أسرار الخديعة كشفت ولم تعد توهمنا إيران وهي تنحدر بقسوة على منحدر التسليم المذل المنخذل بأن من الممكن الاستمرار بوصفها كطفل صغير تحتويه البراءة، يا إيران يا أيتها العابثة لحظة من فضلك: هل التقطت لكِ صورة تذكارية مع شعبكِ الذي يئن بالحزن والوجع والفقر والعوز والفاقة والحاجة والذل والخنوع، إن محاولاتك المستميتة نحو البياض مجرد نقلات غير حية لكنها هائلة على مستوى الانجراح الإنساني النفسي المستديم، وسوف تتكلل بالإذاعان الراضخ الذي لا مفر منه، وستشهد الأرض عليك بعد طول ممانعة وعبث وفوضى وتكبر، وسيقيم لك أصدقاؤك سرادق العزاء واستقبال المعزين وسيصفونك بعد حين بالسوء والألم والكارثة، لقد أعد أصدقاؤك كل شيء للعزاء، القماش الأسود والقهوة والدلال والفناجين والتبغ ومناديل الدموع، سيكونون مرتبكين بفعل خسارتك الجسيمة المزدوجة، لكنك حتمًا ستكونين تابوتاً يحملونه على ظهورهم المحنية، سيجف حليبك في أفواههم وسيصرخون بعدها المقبرة المقبرة وسيعاقبون أنفسهم بفقء العين بأسياخ حديدية بعد أن يأكلك الدود وينتهي كل شيء.