من الناحية النظرية يمكن لوزارة العمل أن تضع ما تشاء من حلول لمشكلة البطالة المتنامية، لكن من الناحية العملية ستجد نفسها تصطدم بعقبات ومشكلات أزلية قديمة ليست وليدة اليوم وإنما من تراكمات تضاعفت خلال السنين الماضية .أي حلول للقضاء على البطالة تتجاوز حشود العمالة الوافدة التي عبأت بلادنا ستظل حلولا مبتورة لن تؤدي إلى نتائج حاسمة.
العمالة الوافدة سيطرت على أغلب الوظائف الإدارية والخدمية في الشركات الكبرى والصغرى والمؤسسات، ولا أعتقد أنني سأستطرد في تحليل هذه المشكلة وأبعادها وأسبابها لأنها قد حظيت كل السنوات الماضية بعشرات المقالات، فأصبح أقل الناس ثقافة مدركا للمشكلة وحجمها وتداعياتها المختلفة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية.
المشكلة الأخطر التي تهدد اقتصادنا السعودي أن أكثر من ستمائة ألف وافد - بحسب تقرير نشر في جريدة الرياض - يعملون تجارا في سوق التجزئة ويستحوذون على أكثر من 90% من الفرص في هذا السوق الذي يعد كنزا يدر الملايين؛ ما تسبب في تحويل ثرواتنا المالية للخارج بواسطة التحويلات المالية البنكية أو المنقولة عن طريق الأفراد المسافرين إلى بلدانهم أو غسيل الأموال.
سوق التجزئة يدر المليارات على العمالة الأجنبية وما يجري فيه من أحداث يتم بعيدا عن الأعين، فالعمالة الوافدة في هذا السوق للأسف تتحرك تحت غطاء وستار بعض الكفلاء السعوديين الذين لا تهمهم سوى مصالحهم وحفنة الأموال التي يتقاضونها من العمال الأجانب أو التجار الفعليين، ضاربين بمصالح بلادهم عرض الحائط ولا يوجد في هذا السوق أي تنظيم، فالفوضى هي السائدة والعمالة تتحرك بحرية تقوم بتوزيع السلع الرخيصة وذات النوعية المتدنية وينشط تجار الشنطة لتسويق بضائع أغلبها مغشوشة وبأقل التكاليف، تقيم هذه العمالة مشروعاتها على الأرصفة وفي مداخل الأسواق الكبيرة ويذرع الباعة المتجولون منهم أماكن الترفيه حيث توجد العائلات في المنتزهات العامة والبرية يبيعون الأيسكريم والحلوى وألعاب الأطفال وبعض الأقمشة الرديئة والعطور المغشوشة.
سوق ضخم لا يمكن الاستهانة فيه إضافة إلى الباعة المتجولين من البقالات داخل الأحياء «السوبر ماركت» والبوفيهات ومحلات الخضار والأدوات الكهربائية والسباكة والأجهزة الإلكترونية ومواد البناء ومحلات كل شي بريالين. يكفي هذا السوق الثري أنه يمثل 75% من الحصة السوقية وهو سوق سيؤمن لشبابنا فرص عمل كثيرة, لكننا بسكوتنا على هذا الوضع نساهم في استفحال المشكلة وتوسيع نطاق أضرارها على مدى السنوات القادمة وحرمان شبابنا من فرص عمل حقيقية.
فرص المواطن في سوق التجزئة ضئيلة في ظل وجود هذه العمالة التي تعمل كمجموعات كل مجموعة يصل عدد أفرادها إلى ما يقارب العشرة أو أكثر أو أقل يتقاسمون الأرباح فيما بينهم، ويشكلون قوة متلاحمة ومتآزرة ومترابطة لا تسمح لأي سعودي بالدخول في وسطها التجاري أو الاقتراب منها، وكثير من الشباب فشلوا في تجارة التجزئة بسبب مضايقات الأجانب لهم علاوة على أن هؤلاء العمال يعملون من الصباح الباكر إلى منتصف الليل وهو ما لا يقدر عليه المواطن.
أي تفكير لحل مشكلة البطالة لا بد أن يمر عبر سوق التجزئة بإعادة النظر في واقعه وتفكيكه وغربلته ودعم الشباب لإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتنشيط هذا السوق بعد سحب ملكيته بالكامل ونقلها للمواطنين.