في عصر الملك عبدالله - حفظه الله - دخلت النزاهة والمصداقية قاموس مفردات المواطن، وبهذا الإقرار الرسمي يصبح الإنسان جديراً بالثقة عندما يكون ماضيه وحاضره العلمي والعملي والاجتماعي خالياً من الإخلال بالتشريعات والقوانين والأخلاق العامة، وتظهر معركة كسب ثقة الجمهور في جولات الانتخابات العامة في البلاد الغربية، والتي يكون جزء من محاور الصراع فيها حول مصداقية المرشح للمنصب العام، وقد احتفل الوطن كثيراً بتدشين القائد لثقافة المصداقية؛ إذ لم يعد يقبل المواطن امتهان السرقة والكذب وإخلاف الوعود وهضم الحقوق والتلاعب بمصالح الناس وحقوقهم تحت مظلة النفوذ السياسي أو القدسية الدينية أو المحسوبية الإدارية، وظهر التفاعل الاجتماعي في عدد من قضايا النزاهة وفقدان المصداقية في أكثر من مثال.
أثناء معرض الرياض الدولي للكتاب وبعد إغلاق أبوابه، ظهرت على السطح قضية أدبية ساخنة، أطرافها الشيخ عائض القرني والأستاذة سلوى العضيدان، والتي كشفت عن قيام مؤلف كتاب «لا تيأس» فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني (تم توقيعه في معرض الكتاب 2011)، بالسطو على محتوى كتابها «هكذا هزموا اليأس» (تمت طباعته 2007)، وقد أسست الكاتبة صفحة على الفيس بوك توضح فيها تعرضها لسرقة أدبية وصفتها ب»أكبر طعنة في حياتها»، وأضافت أن كتاب لا تيأس للدكتور عائض القرني يحتوي على ما نسبته تسعين بالمائة منه من كتابها هكذا هزموا اليأس، وبنفس الصياغة للمواضيع، وحتى الأخطاء المطبعية على حد قولها لم تسلم من النقل غير المشروع، وأن المقدمة التي قامت بتأليفها تم السطو عليها، وأدرجت ضمن مواضيع الكتاب... وخلاصة الأمر أننا أمام قضية ساخنة، وإن صحت قد تنسف بمصداقية العالم الشرعي والشيخ والدكتور عائض القرني أمام الملأ... لكن مع ذلك يظل حق الدفاع عن النزاهة مكفولاً للشيخ.
قبل تلك الحادثة تناقلت بعض وسائل الإعلام قضية ساخنة أخرى، كان محور أحداثها العاصمة اللبنانية بيروت والجامعة الأمريكية، وتناولت بالتفصيل قصة تزوير شهادة علمية لابنة مسؤول شغل مناصب في غاية الأهمية، ويحظى باحترام الناس لمكانته العلمية والدينية، وقد يكون التزوير حدث بغير علمه، وهذا ما أُرجِّحه، لكن يبدو أن الناس في حاجة ملحة للتوضيح قبل أن يفقد المصداقية العامة.
في زاوية أخرى نشرت إحدى الصحف العربية خبراً قد يعصف بمصداقية وأهلية شركة سعودي أوجيه، ونص الخبر أن المؤسسة متورطة في قضية اختلاس أموال عامة سعودية، عبر عقود تعهدات أعطيت لشركات أخرى، وأن عدداً من موظفي المؤسسة من اللبنانيين، ومن زبائنها ومزوِّديها يتعرضون للملاحقة القضائية من قبل السلطات السعودية.. وإن صح الخبر وأثبتت التهم فقد نستطيع القول إن الشركة فقدت مصداقيتها في السوق المحلية، وإن الوقت حان لتأسيس شركات مقاولات عامة مساهمة، توظف الكوادر الفنية السعودية، وتخضع لنظام التأمينات الاجتماعية، وستكون بالتأكيد قفزة للأمام في مهمة إصلاح سوق العمل السعودي.
فقدان المصداقية وبالتالي فقدان الثقة قد يقع فيها أياً كان، ومهما كان منصبه السياسي والإداري والعلمي، ويجب أن لا يخرج الحل عن الرحيل أولاً لأن استمراره سيكون نقطة ضعف في رصيد المصداقية في الحكومة أو المؤسسة العامة أو الخاصة، ويأتي تأسيس الهيئة العامة لحماية النزاهة ومكافحة الفساد إعلاناً رسمياً على دخول مرحلة جديدة تتميز بإقرار المصداقية والنزاهة كمؤهل يجب تجاوزه لمن يقع عليه الاختيار ليعمل في الخدمة العامة، برغم من أنني أرى ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق رئيسها، وذلك لصعوبة العمل بين أحراش البيروقراطية الحالية، وأعتقد أن أكبر تحدٍّ أمام الهيئة هو في ملاحقة أولئك الذين يتطاولون على المال العام أو يستغلون مناصبهم لدخول موقع متقدم في سباق الثراء في العالم، وأرى أن لا بديل عن حصر ثروة المسؤول قضائياً قبل وبعد المنصب العام.