ارتبط في أذهاننا مصطلح «ثورة» بمفهوم عنيف وصادم، حيث كانت الأحداث التي مرت بكثير من الدول من ثورات على الأنظمة والحكومات شاهداً على هذا المفهوم.
ولكن لماذا يتبادر إلى أذهاننا هذا المفهوم فقط ونتناسى الثورة بمفهومها الحقيقي والإيجابي؟! الذي حققت من خلالها الدول المتقدمة إنجازاتها، حيث اتسمت حياة هذه المجتمعات المتقدمة بثورات متواصلة ولكنها ثورات من نوع آخر.
ولدينا من يقول نحن بحاجة إلى ثورة علمية وفكرية جديدة تقود وطننا إلى الأمام، وذلك بإعادة صياغة مناهجنا التعليمية بدءًا بجميع مراحل التعليم ومؤسساته، وجعل مضمون تلك المناهج يتماشى مع متطلبات المرحلة الحالية والمستقبل، حيث عصر الإنترنت والفيس بوك، وتويتر، والبلاك بيري، وغيرها من التكنولوجيا والمعلومات الحديثة التي دخلت في حياتنا، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ منه، وغيرت بعض المفاهيم لدى شبابنا وبناتنا من حيث نمطية تعاملهم، وتربيتهم وتحاورهم مع بعضهم بعضا.
نوع آخر من المطالب تراه يتحدث عن ثورة صحية كاملة، تكون في تطلعات المواطنين كافة من حيث تطور الخدمات الصحية إلى أعلى المستويات، من بناء مستشفيات ومراكز متخصصة في جميع مناطق المملكة، ودعم وتشجيع الأطباء السعوديين في تطوير قدراتهم ومهاراتهم الطبية، وكذلك القضاء على الأخطاء الطبية والإهمال المتكرر من قبل بعض الأطباء سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، وإقرار برنامج التأمين الطبي الشامل لجميع للمواطنين أسوة بما نراه في الدول المتقدمة.
أما بعض الآخر فيقول نحن بحاجة ماسة إلى إحداث ثورة صناعية جبارة في جميع أنحاء وطننا، وذلك بدعم وتطوير القطاع الخاص وقطاع الأعمال بالتعاون مع الجامعات والمعاهد، والمؤسسات، مع الاهتمام بالصناعة سواء الخفيفة منها أو الثقيلة والتي تعتبر القطاع الأكثر أهمية في الاقتصاد العالمي لنتمكن من السير وراء الدول الصناعية المتقدمة، كما فعلت دول شرق آسيا منذ عدة عقود، وكان آخرها التجربة الماليزية.
ومما لا شك فيه فإن ما سبق يُعد من الأساسيات التي يجب الاهتمام بها ودعمها دعماً مباشراً حتى يزدهر وطننا ويتطور إلى الأفضل في شتى المجالات، ومن ثم نسير نحو مصاف العالم الأول من خلال تلك الثورات العلمية والصناعية والطبية.
ومن وجهة نظري الشخصية فنحن بحاجة أيضاً لثورة كبيرة داخلنا في حب هذا الوطن والولاء له، والفخر والاعتزاز بمليكنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - وما سطره أول أمس من إلقاء الكلمة الضافية على أبنائه حيث شكرهم يحفظه الله على تماسكهم وولائهم لدينهم ووطنهم ومليكهم، كذلك الأوامر الملكية التي أثلجت صدور جميع المواطنين بمختلف توجهاتهم بما تحمله من خير ورفاهية لأبناء هذا الوطن.
كذلك نحن بحاجة إلى ثورة على مستوى العلاقات الإنسانية بيننا وأن هناك جانباً مهماً يجب ألا نغفله وهو: التسامح والاعتدال والتراحم وتقبل الرأي الآخر فيما بيننا، ونبذ التعصب بجميع أشكاله، سواء كان تعصباً قبلياً، أو مناطقياً، أو مذهبياً، أو رياضياً، فنحن في هذا الوطن الذي يضم أشرف بقاع العالم ألا وهي قبلة ملايين المسلمين في كافة أرجاء العالم بحاجة إلى إضفاء روح التسامح والحب والتواد بين أطياف المجتمع كافة، وخاصة في مثل هذه الأيام التي تشهد صراعات وفتنا وحروبا وتأجيجا للطائفية بين أبناء الوطن الواحد.
نحن جميعاً بحاجة إلى إذابة الفرقة وتقريب وجهات النظر بين التيارات المختلفة فكرياً ومذهبياً فيما بينها، ورموز تلك التيارات تقع عليهم مسؤولية كبيرة في تهدئة التشنجات التي تصدر من بعض كتابهم سواء في الصحف المحلية أو الالكترونية، حيث إن هذا التباعد الفكري والاجتماعي بين أولئك النخب قد يسبب فجوة كبيرة بين أبناء الوطن الواحد، فحري بهم أن يفتحوا صفحة جديدة من التسامح والصفح، ونبذ الخلافات الفكرية والعقدية جانباً، وأن يكون الحوار دائماً هو ديدنهم، حيث يُعد الحوار من أهم عوامل تحقيق التعايش السلمي، كما أن الحوار يُعزز نسيج العلاقات بين أفراد المجتمع، ويعزز أيضاً روح التفاهم والتسامح بين الفئات المختلفة، ويقلص مسافات التباعد بين التيارات الفكرية، ويُشيع روح الطمأنينة بين مختلف الأطياف، ويزيد تماسك الوحدة الوطنية وبنيتها مع إيماننا بالتنوع الثقافي والجغرافي لمجتمعنا والاستفادة منه وتحويله إلى منجز حضاري.
فالوطن بحاجة إلى أولئك النخب وكذلك المجتمع هو بحاجتهم أيضاً وخاصة فئة الشباب منهم فتوجيه الشباب مسؤوليتهم سواء كان هذا التوجيه عبر المقالات الصحفية أو عبر التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) أو عبر المنابر الدعوية، فشبابنا بحاجة إلينا، ولنتذكر جميعاً أن الشباب هم طاقة التطوير والتغيير نحو الأفضل في جميع المجتمعات.
نعم هذه هي الثورة الحقيقية التي يحتاجها الوطن ثورة الولاء للوطن والتسامح والمحبة والإخاء والتقارب بين أفراد المجتمع كافة.