دخل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الرياض والجزيرة العربية سباع يأكل بعضها بعضاً، لا أمن ولا طمأنينة، وفقر مدقع، وجهل مطبق وعداوات لا حد لها.. فعقد العزم على توحيد البلاد وجمع شملها, وعاهد الله على أن يبني دولة التوحيد، وضع يده في أيدي العلماء، ودعا الله تعالى أن ينصره لينصر دينه ويعزّه ليعلي كلمة الله.. فمكن الله له، وأيّده بعونه وتوفيقه وفتحت له قبائل المملكة صدورها قبل بيوتها وعاهدته على أن تنصره وتجاهد معه.. وتم للملك عبد العزيز - غفر الله له - ما أراد.
فقامت المملكة العربية السعودية دولة مسلمة عربية حديثة تعلي راية التوحيد وتنشر دين الإسلام، وتفتخر بخدمة الحرمين الشريفين والمقدسات الإسلامية في مكة وتستقبل الحجاج لتوفر لهم الأمن والطمأنينة وأداء المناسك على أفضل وجه.
قامت المملكة بقيادة الملك عبد العزيز فنهضت من الذل إلى العز وانتقلت من الجهل إلى العلم ومن الفقر إلى الغنى ومن الفرقة والتناحر إلى الوحدة والتآلف ومن العداوة إلى المحبة؛ فاستطاع المسافر أن ينتقل من شمال المملكة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها لا يخاف شيئاً ولا يخشى عدواً. وهو يشعر أن الجوف مثل جازان والدمام مثل مكة وجدة في نظام واحد ودولة واحدة وأمن سواء.
ولما اختار الله للملك عبد العزيز أن يودع الدنيا إلى مغفرة الله ورضوانه - إن شاء الله - وصلت الأمانة إلى ابنه سعود ثم فيصل ثم خالد ثم فهد فرعوا الأمانة وأدوا الرسالة وصدقوا مع الله فحفظ الله بهم البلاد وأمن بهم العباد وتحقق للمملكة في عهدهم كل تطور ونهضة علمية وصناعية ورخاء عيش.
وجاء خادم الحرمين الشريفين ليكمل المسيرة ويحمل الأمانة وهو لها أهل، فصدق وأخلص وبذل جهده في نفع البلاد وأهلها، وأصبحت المملكة بلداً متميزاً في عقيدته ودستوره وأمنه وأمانه.. وقد عبّر عدد من الشعراء عن ذلك التميز الذي هو مصدر فخرنا واعتزازنا، وقد وجدت من أجود ما قيل في ذلك قول فؤاد الخطيب الذي عمل مستشاراً عند الملك عبد العزيز عام 1945م وهو يقارن بين حال الجزيرة قبل حكم الملك عبد العزيز في خوف وجوع وحرب ثم ما صارت إليه بعد مجيء الملك عبد العزيز وتأسيس المملكة فيقول:
هذي بلاد الطهر مهما حاولت
زمر الفساد وردد الأقزام
دار بها يُعْطَى الضعيف حقوقه
وتسود فيها بالهدى أعلام
دار أقيمت للهداية مصدراً
ولقد حمى أركانها الصمصام
دار تكرم من حمى إيمانه
ولقد علا في أرضها الإسلام
وجدت بأرض الطهر خير رسالة
فتضوعت مسكاً وفاض غمام
تفنى المذاهب إن أرادت كيدنا
ولسوف تثبت صدقنا الأعوام
ولقد شهد العدو قبل الصديق أنّ المملكة بلد لا كالبلاد، حماها الله من كيد الكائدين وتكسّرت على صخرتها معاول المفسدين. وأبى أبناؤها جميعهم أن يعودوا إلى الوراء، أبوا أن يعودوا أعداء بعد المحبة وشتاتاً بعد الوحدة وتفرقاً بعد الاجتماع ولم يستجيبوا لأطماع الطامعين وخداع المنافقين ووعود اللّصوص والحاقدين.
إنّ بلادنا كانت وستظل إن شاء الله تعالى واحة الخير والبر والصلاح والأمان ولقد قلت في ذلك:
إنّ الجزيرة كانت أمس عاريةً
واليوم قد لبست أثوابها القشبا
كم خيَّمت فوقها الأرزاء حالكة
كأن كل ضياء في السماء خبا
فكان سيفك نوراً في الظلام لها
وأين قبلك سيف يخلف الشهبا
جمعت من شملها الأشلاء فاتحدت
بعد الشقاق وقد كانت لمن نهبا
يُمزِّق الغزو منها كل ناحية
وينشر الرعب والإملاق والسغبا
وقد سهرت فنام الشعب في دعةٍ
وخاف من كان منه الشر مرتقبا
وكاد يمسك حتى الذئب من هَلَعٍ
عن العواء، ويخشى البوم لو نعبا
وأوشكت تأمن الأحلام مزعجةً
عينٌ تنام، وكانت لم تنم رهبا
نهضت وحدك لا حزب ولا دولٌ
تشدُّ أزرك في أمر إذا حزبا
إنَّنا نفخر ببلاد الأمن والإيمان، ونفخر بولاة صالحين مصلحين، ونفخر بمواطنين لا يخدعون بمؤامرات خفافيش الظلام وأذناب الكفر والفساد. حمى الله بلادنا وحفظ ولاة أمورنا وجزاهم خير الجزاء وأوفاه.
عبدالعزيز بن صالح العسكر -عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية