إنَّ تلك الأوامر الملكية الكريمة والقرارات الحكيمة قد شملت بفضل الله ورحمته جميع نواحي حياة المواطنين بشقيها الروحي والمادي، واهتمت بشكل صريح وواضح بثوابت هذه البلاد المباركة على يد مؤسسها ناصر السُّنة وقامع البدعة الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، وسار على هذا النهج أبناؤه البررة إلى عهد مليكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -. هذه القرارات تُعزّز دور المؤسسات الشرعية وتدعمها وتدعم دور العلماء وحفظ هيبتهم وإظهار منزلتهم وعدم معارضتهم في اختصاصهم في تبيين مرجعية هذه البلاد، وهي كتاب الله وسُنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (سورة آل عمران - 187)، وقال الله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (11 - سورة المجادلة).
وهذا مهم في هذا الوقت العصيب وفي ظل إعجاب كل ذي رأي برأيه، وتناقض المواقف، واضطراب مرجعية الفتوى التي أحدثت أضراراً كبيرة لا تخفى على كل ذي بصيرة.
وما إنشاء المجمع الفقهي السعودي إلا تأكيد لدور العلماء ومكانتهم وتوحيد كلمتهم؛ حيث يصدر عنه الرأي السديد والفتوى المؤصلة لإصلاح الأمة وجمع كلمتها واستقامة أحوالها والنهوض بها إلى الأمام.
وينطلق من هذا المجمع الفقهي علماء أفاضل، برزوا وأبدعوا في مناقشة القضايا والمسائل الفقهية وترجيح أسددها وأصلحها للأمة، ويتسنمون مناصب علمية أعلى لخدمة الأمة وقضاياها، وجعل هذا المجمع تحت إشراف هيئة كبار العلماء؛ لتتحقق علميته وكفاءته ووسطيته.
ومن قراراته الحكيمة والمهمة إنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد، وهذا ينطلق من قوله جل وعلا: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} (56 - سورة الأعراف)؛ ففي محاربة الفساد والمفسدين حماية للمال العام وصيانة لمقدرات الأمة ومكتسباتها، ومن المعلوم أن الفساد من أشد أنواع الظلم المنهيّ عنه نقلاً وعقلاً؛ فهو نذير زوال للدول وللأمم؛ لذا لا بد من التعاون من الجميع على محاربته واستئصاله، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} (2 - سورة المائدة).
ومن القرارات الحكيمة دعم خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - للشؤون الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد والقطاعات العسكرية والأمنية والصحية والتعليمية، وغيرها مما يُثبِّت دعائم الأمن والاستقرار، ويرفع من مستوى دخل المواطن ومعيشته، وخصوصاً الطبقة المحتاجة، وتخفيف أعباء الحياة عليهم، قال صلى الله عليه وسلم «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم» (أخرجه البخاري)، وفي رواية «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» (أخرجه النسائي).
إن ما ذكرته هو غيض من فيض من حرص خادم الحرمين الشريفين على حُسْن رعايته لمواطنيه وتلمُّس احتياجاتهم وتلبية تطلعاتهم ورغباتهم؛ فله منا الشكر والدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله».
سائلاً المولى تعالى أن يُلبسه لباس الصحة والعافية، وأن يطيل عمره على طاعته، وأن يجزيه خير الجزاء وأوفاه، وأن ينصر به الإسلام وأهله، وأن يديم على بلادنا الأمن والرخاء والاستقرار، وأن يرزقنا جميعاً شكر نعمه، وذلك بصرفها في طاعته، قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (7 - سورة إبراهيم).
عضو الجمعية الفقهية السعودية