تثبت الأحداث على مرّ الزمان أهمية الثوابت والمنطلقات التي ينطلق منها هذا الوطن الكريم - قيادةً وشعبًا - ليؤصلها قادته التأصيل الواضح الشفاف الذي يغرس في قلب المواطن الطمأنينة، والمواصلة للاستمرار في البناء، وسد منافذ العداء والتربص.
في تلك الكلمة الموجزة البليغة التي افتتح بها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود - النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية - وفقه الله وسدده - لمؤتمر العمل البلدي الخليجي التي هنأ فيها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بهذا الشعب الكريم الوفي، أقول جدّد - حفظه الله - أهم المنطلقات والثوابت التي يرتكز عليها هذا الوطن الكريم ليبقى وعيها مستمرًا في ذهن أبنائه وبناته، ولا يحيدوا عنها، مهما تقادم الزمن وكثرت متغيراته، وتعددت وتنوعت أحواله.
وهذا ما يدعو إلى قراءتها، وتأملها، وتجديد الوعي والبرامج العملية التي تنطلق منها.
أولاً: النظام الأساسي للحكم : فقيام هذا الوطن على الإسلام، ودستوره: الكتاب والسنة، فقد قال حفظه الله: (لقد أثبت شعبنا للعالم كله أنه في قمة التلاحم مع قيادته أمة واحدة متمسكين بدستورهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم).
وهو يترجم بهذا ما سطّر في النظام الأساسي للحكم ليعي أبناؤنا منطلقهم الأساس، جاء في الباب الأول من المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم : (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة ؛ دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله).
فهذا التحديد يؤكد ما يلي:
1 - هذا هو الدستورالذي أسست عليه الدولة، وتنطلق منه في جميع أنظمتها ولوائحها التنفيذية، وأعمالها، وهو الحاكم عليها والمرجع في التحاكم، وعليه أسست تلك الأنظمة، وانطلقت منه.
2- وأوجدت كثير من المؤسسات العاملة لتعزيزه وتثبيته نظريًا وعمليًا كإدارة الإفتاء، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3 - أسس النظام القضائي عليه كنظام القضاء، والإجراءات الجنائية، وغيرها وجددت وطورت مع تطور الوسائل وتجددها.
4 - وهكذا سائر الأنظمة المنبثقة من هذا النظام الأساس، ولذا رأينا ثمرة هذا التأسيس المتين في مثل هذه الأحداث التي يشهدها عالمنا العربي في الرجوع لهذا المنطلق الثابت والانطلاق منه، وعليه فحري بالتربية والتعليم، والتعليم العالي تأكيده على الأبناء والبنات.
ثانيًا: العلم والعلماء: للعلم والعلماء في الأمم الحضارية مكانة عظيمة في البناء والتطور، وبلوغ الأهداف، وعمارة الأرض، والتوجه نحو المسار الصحيح، ومعالجة الأخطاء، ولهذا جاء التوجيه الرباني في بداية بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، فانتشرت هذه الرسالة الكبرى لينقلب العربي البسيط، أو المتوحش الهمجي إلى مصلح وحامل رسالة العدل والرخاء، وتمتدّ إلى أعقاب الزمن إلى يوم القيامة.
ويواصل المسير الملك المؤسس - رحمه الله - هذه المسيرة، فتجتمع هذه الجزيرة على هذا التوحيد العظيم فيعبد الله تعالى فوق هذه الأرض، ويتوجه إلى الحرمين الشريفين بأمن وطمأنينة وتتشيد هذه الصروح، وتعلو تلك المكتسبات الكبرى التي لا يجحدها إلا مكابر أو مغرض أو حاسد.
ويستمر هذا الثابت بفضل الله رغم كثرة التحديات ويبقى هذا الوطن بثوابته، ومن أهمها: قيامه في كل أموره على العلم وكلمة العلماء التي أشار بها سموه - حفظه الله - ولذا كم أثلجت هذه الكلمة الشكرية العظيمة من هذا القائد التي يترجم بها بوضوح عن رؤية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله.
أقول: كم أبرزت هذه الكلمة ما شهدته فعاليات العلماء تجاه من يريد الفوضى وخلخلة الأمن وإشاعة الاضطرابات، وذلك من خلال حديث سماحة المفتي، وبيان هيئة كبار العلماء، وأحاديثهم الإعلامية، وخطب أئمة الحرمين، وخطب أئمة الجوامع الذين ترجموا ما تلقوه عن علمائهم واضحًا شفافًا، وكذا ما تناقلته الهواتف الجوالة، والقوائم البريدية، ومواقع الانترنت من المواقع المختصة بالعلم الشرعي ومواقع مكاتب الدعوة والإرشاد وجمعيات تحفيظ القرآن وكذا المخلصين من أساتذة الجامعات وغيرهم.
لا شكَّ أن هذا البيان منهم من أوجب الواجبات، لكن ذلك الشكر يعني:
- تجديد هذا الأصل العظيم في هذه الدولة المباركة.
- عظم مسؤولية العلماء وطلاب العلم في بيان الحق والتحذير من الفوضى والاضطراب.
- أهمية دور المؤسسات الدعوية بمختلف مهماتها.
- للمفكرين وأساتذة الجامعات دور في البناء، والتحذير من الهدم يجب تفعيله.
- تفعيل خطبة الجمعة وتعزيز دورها.
وتبقى دولة العلم والعلماء ليزداد هذا الأصل رسوخًا وتجذرًا وامتدادًا لنشهد العالم بأنه من أهم العواصم من القواصم بإذن الله، وبهذا تعالج الأخطاء، وتدرأ الفتن، وتسد أبواب المغرضين، والله خير حافظًا.
ثالثًا: التلاحم والتكاتف: جاء في صحيح مسلم : « إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب. ولكن في التحريش بينهم ) إن هذه الأرض محل البعثة النبوية تستعصي على الشيطان في العبادة الظاهرة لكن يبحث عن الوسائل الشيطانية الأخرى، ومن أهمها: التفرق والتحزب والاختلاف المذموم، ولذا جاء ذمه صريحًا في كتاب الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (103) سورة آل عمران، {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (105) سورة آل عمران.
هذا الأصل العظيم عاصم من أهم العواصم، وحاجز منيع لتسلل الفتن ظهرًا بوضوح وشفافية في كلمة سموه - حفظه الله - (لقد أثبت شعبنا للعالم كله أنه في قمة التلاحم مع قيادته، أمة واحدة) فالجميع حاضر متعاون - القيادة والشعب -.
وهنا تزول: القبلية، والطائفية، والحزبية، والمصلحية، والذاتية، ويبقى وطن واحد يدين بدين واحد في ظل قيادة واحدة.
ومن هنا يجب تفعيل كل ما يؤدي إلى التمسك بهذا الأصل المكين وعدم الانحراف والانخداع بكل ما يؤدي إلى شرخه وتفكيكه فيستعصي على كل مغرض وحاقد.
ومما يؤدي إلى تثبيت التلاحم والتكاتف وتفعيله:
- إحياؤه في النفوس وتربية الأبناء والبنات عليه.
- تعزيز القيم الشرعية في هذا المنطلق العظيم،كمبدأ التعاون والتكاتف والأخوة والتراحم والتعاطف والمصالح العليا...
- نشر ثقافة: الوطن واحد.
رابعًا: الوفاء والشكر: قيم الإسلام عظيمة وفعالة، وتزداد ظهورًا وانتشارًا، وتبهج أكثر عندما تكون من القادة الفاعلين، وتترجم مكنونات قلوبهم، وقربهم من أبنائهم وبناتهم، هكذا ظهر الوفاء من القيادة للشعب على وفائه، وعلى علو وعيه بما يكاد له، قيادة وفية لشعب وفي، وشكر لأصحاب المهمات وبخاصة أهل العلم والرأي والعقل - فنحمد الله سبحانه - على تجذر هذه السمات في قيادتنا وشعبنا، ولذلك أختم هنا لنبقى على الوفاء، ونبادل الشكر لأهله، فشكرًا لقيادتنا، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، وهنيئًا للجميع من الجميع بتلك القيم والأخلاق فلتُنقل للأجيال القادمة بهذه الصورة الحية، وفق الله تعالى قادتنا لكل خير، وحمى بلادنا من كيد كل كائد، وعدوان كل معتد، والله خير حافظًا، والحمد لله رب العالمين.
عضو مجلس الشورى