جميل أن يحدث اختلاف وجهات النظر أحياناً بين قامتين كبيرتين علماً وخلقاً، حينها تكون هناك فرصة سانحة لإثراء الواقع الثقافي بهذا الزخم المعلوماتي والقيمي الذي يخلفه حوار الكبار. تابعت شيئاً من هذا وأنا أطالع عبر صفحات (وراق الجزيرة) في الأسابيع الماضية تعليقات وردود بين اثنين من خيرة أبناء الخرج ومثقفيها، هما: الشيخ علي بن حمد العسكر، والدكتور ناصر بن عبد العزيز العرفج، حول (الخرج في عهد المؤسس الملك عبد العزيز). لقد كان ما دار بين هاتين القامتين بحق تنافس جميل على حب الخرج وتاريخها، وقبل ذلك حب الوطن وتاريخه، ولن أخوض في تفاصيل هذه الردود فكل من أستاذينا محق فيما ذهب إليه، وله وجهة نظره التي نحترمها ونوافقه عليها.
وإن مما يثلج الصدر ويبهج الخاطر أن يكون من بين أبناء الخرج مؤرخون كبار أمثال الشيخ علي العسكر والدكتور ناصر العرفج نرجع إليهم في مستحكم الأمور، ونستشهد بأقوالهم، وأيضاً نفاخر بهم، وهما فضلاً عن ذلك من أبناء جالات الخرج الذين نفتخر بتاريخهم في توحيد هذا الكيان العظيم.
ولكن الذي أود التوقف أمامه ولفت النظر إليه هو تلك الالتفاتة الكريمة من هاتين القامتين الكبيرتين للخرج وتاريخها الكبير والمهم، فلعل هذا الطرح من كاتبين في قدر أستاذينا الجليلين حول مشاركات أبناء الخرج الأبطال في معارك التوحيد، تحت قيادة المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -، يكون فاتحة خير على هذه المنطقة التي يعد تاريخها بحق مفخرة من مفاخر تاريخنا الحديث، بما قدمه رجالها من حسن البلاء إبان معارك التأسيس، وبما قدمت من شخصيات عظيمة من أبنائها الذين لم يحولوا عن ولائهم للمؤسس ولدعوته، فضحوا خلفه وتحت رايته بالنفس والنفيس، إلى أن أظهر الله الحق وأزهق الباطل.
وفي الوقت ذاته فإنني أتمنى على مؤرخينا الكرام أبناء منطقة الخرج أن يهتموا بتاريخ الخرج ودور رجالها المشرف في حملات التوحيد فلن يخدم الخرج إلا أبناؤه، ولا يليق بنا ونحن ولله الحمد أهل علم وأهل همة أن ننتظر أن يأتي أحد ويكتب تاريخنا، فحينها فلا نلومن أحداً بعدها إن قدم عملاً منقوصاً أو حتى مغلوطاً عن تاريخنا ما دمنا لم نقدم نحن لهذا التاريخ ما ينصفه وينتصر له.
وإن تاريخ الخرج يستحق منا الكثير، وهي صاحبة التاريخ العريق، مذ كانت مقراً لقوى بدءًا بجديس، وملك بني حنيفة، وإمارة بني الأخيضر، الخرج التي كانت من أقوى إمارات نجد قبل الدعوة الإصلاحية المباركة، الخرج التي شارك أبناؤها في نشر الدعوة الإصلاحية في شرق الجزيرة من الكويت شمالاً حتى البريمي جنوباً، الخرج التي جعلها الإمام فيصل بن تركي قاعدة لحكمه في أثناء صراعه مع القوى الخارجية عام 1254هـ، الخرج التي فتحت ذراعيها مرحبة بالموحد الملك عبد العزيز وعلى أرضها وقعت أول معركة بين عبد العزيز وابن رشيد، يوم جرع الملك عبد العزيز، ابن رشيد، الهزيمة الأولى بعد نشوة انتصاره في معركة الصريف، الخرج ذات العيون والسواقي والأرض الخصبة والنخيل، التي أمدت الدولة السعودية بخيراتها قبل اكتشاف البترول، الخرج صاحبة الموقع الاستراتيجي، الخرج التي لم يسجل التاريخ أن أحداً من أبنائها سواء من الحاضرة أو البادية رجع عن بيعته للملك عبد العزيز، الخرج التي أحبها الملك عبد العزيز وأحبته كما أحبت أسلافه الأئمة من قبله. الخرج التي تستحق منا جميعاً الاهتمام بها وابراز تاريخها، ومكانتها وأهميتها ووضعها في المكان المناسب على خريطة تاريخ الوطن.
وفي الأخير فمن بركات (أبي صلاح) علينا وعلى الخرج أنه استطاع أن يخرج (أبا بركات) من صومعته، فغنمنا حضور قلم هذا المؤرخ الكبير.