تابعت بتفاؤل - كما غيري من المواطنين - القرارات الخيّرة التي صدرت يوم الجمعة 13 من شهر ربيع الثاني من العام 1432هـ والموافق 18 من شهر مارس 2011م. وأُثلجت صدورنا بما سمعنا من أوامر ملكية شاملة، وهذا هو العشم من قيادات ووطن نبذل في سبيله الغالي والنفيس ونتطلع أن يبادلنا حبًا بحب. كثيرة هي القرارات التي تخص وتشمل فئات متعددة ما بين مدنيين وعسكريين وطلاب وموظفين ورجال شريعة. ولعل من أهم ما صدر - من وجهة نظري الشخصية ولعل غيري يوافقوني الرأي كذلك - هو الأمر الكريم بإنشاء هيئة مكافحة الفساد.
هذه الهيئة ستكون - بإذن الله - معول هدم وتقويض لكل فكرة أو مشروع يكون عائقًا في سبيل تنمية مستدامة لهذا الوطن المعطاء، فالفساد وتبعاته هو ما أوصل المواطن النبيل إلى عدم الرضا والإحباط من عدم سير بعض المشروعات التنموية كما يجب لها أن تكون، ومن شعوره بالغبن وإخفاقه في الحصول على خدمة يراها حقًا له، أو حقًا لم يتمكن من الوصول إليه.
إننا في مرحلة نحن فيها بأمس الحاجة إلى تعزيز قيم النزاهة وتعميق فكر الشفافية والوضوح من خلال محاربة الفساد بجميع أنواعه وأشكاله سواء ماليًا أو إدارياً، والحد من إساءة استخدام السلطة على كافة المستويات من أجل الحفاظ على المال العام وحقوق المواطنين وغيرهم من المتعاملين معهم، لنكون بذلك انعكاسًا حقيقيًا أمام الآخرين لما هو الدين الإسلامي الحنيف السوي الذي يعزز مكارم الأخلاق، ومن أجل أن تصل التقارير صحيحة بدون تزييف أو تضخيم أو تهويل إيجابًا أو سلبًا للقيادات الحكيمة ومتخذي القرار وصانعيه من أجل رفاهية «مستدامة» لوطن يستحق أبناءه ومواطنيه كل خير بما ينعكس رضًا متبادلاً ما بين الوطن والمواطن.
لا نطلب أن نكون شعوبًا منزهة ولن نكون! فنحن بشر ولسنا أنبياء، لكن ممارسة الفساد أو التستر عليه هو خيانة للنفس قبل أن يكون خيانة للدين وللوطن، ولذا فإن الدور المناط بهيئة مكافحة الفساد هو دور عظيم ويجب على كل الجهات المعنية الالتزام بدعم هذا الدور والعمل على تحقيقه، ويجب أن يتم تبني مفهوم «من أين لك هذا؟» ومحاسبة الغني والفقير، الكبير والصغير على حد سواء من خلال القيام بالعمل والأداء بمعايير عالمية ينتفي معها تعليق الأخطاء وإخفائها من باب الستر وعدم التشهير والخصوصية المجتمعية المفرطة التي بالغنا في التعلق بها في مواقف كثيرة، أن يتم ذلك بإجراءات سلسة بعيدة عن البيروقراطية بحيث تمكّن الغير من التبليغ عن أي فساد في أي موقع يصبح معه تطبيق القوانين في حق المتجاوزين أيًّا كانوا سهلاً دون تعرض المبلِّغ للأذى.
أنا من المتفائلين بدور هذه الهيئة شرط تعاون كافة الجهات ليس إلزامًا - وإن كان يجب في المرحلة الحالية - ولكن من باب أن الوطن للجميع، وأن مصلحته تهم الجميع، وأن أي إخفاق في جانب من جوانب الأداء سوف يطال الجميع بدون استثناء، ولعل لنا في تجارب سابقة في مناطق عديدة من وطننا الحبيب خير دليل على ما يمكن أن يؤدي إليه الفساد، سواء كانت نتائج الفساد خسائر مادية أو بشرية، أو الوصول إلى حالة من عدم الرضا والشكوى والتذمر.
الهيئة هي خطوة صادقة وصحيحة وواثقة في درب البناء لوطن لنا ولأبنائنا ومن بعدهم، ويجب العمل على نشر ثقافة تعرية الفساد وكشف أساليبه، والعمل على تلافيه في تعاملاتنا، وإن تحقق ذلك فهي خطوة لن تكون القيادات معها بحاجة إلى إجراء تعديلات أو إصدار قرارات تصحيحية لتحقيق عدالة فُقدت بسبب الفساد. ولذا رأيتها من وجهة نظري المتواضعة «أمرًا» كافيًا ليحقق كل «الأوامر» الأخرى في المستقبل القريب بإذن الله. ودام عزك يا وطن وحفظ الله لنا الوالد عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
منيرة أحمد الغامدي