مثل أجهزة دقيقة للاستشعار عن بعد دأبت «الجزيرة الثقافية» على التقاط أقل نبض إبداعي في جنبات فضاء بلا حدود لحياتنا الثقافية، أحياناً تتجه المؤشرات إلى مشروع بكر لقصيدة لا تزال في ضمير صاحبها تبحث عن استواء التجربة وجمال الشكل، أو قصة تتعثّر لا تزال في عناء الولادة، أو لوحة لم يحكم صاحبها بعد قبضته على مراوغة الأحلام فيها.. نجمع حصاد هذا المعطى الثمين، نخضعه لكثير من التأمل والدرس دون أن نحاكمه بمقاييس العصر وشروط اللحظة الآنية، وإنما نراه بعين القادم وتشوفات الغد: كيف ستكون هذه التجارب الإبداعية حين تستوي لأصحابها الرؤية وتنضج الخبرة وتنداح كل الحدود أمام نهم المعرفة ورغبة التميز، وهنا تحديداً نجد بالنسبة لنا - في الجزيرة الثقافية - شرف المهمة ووعي الضمير، لا نبخل بمساحة، ولا نتردد في رعاية وحدب دائمين إلى أن نقدّم لحياتنا الثقافية - بعد عام ربما، أو أكثر أو أقل - كاتباً مبدعاً أو كاتبة، بقدرة مدهشة على الإبهار..
واجب عادي بالنسبة لنا أن ننشر تجربة لمبدع معروف، وواجب فوق العادة وأكثر أهمية أن نساهم بشيء في صياغة المستقبل لحياتنا الثقافية وأن نكشف عن فرسان قادمين قدمنا لهم كل الدعم والمساندة.
على أننا يجب أن نعترف بأن هذه ليست هي الحال دائماً، ففي بعض الأحيان نصيخ السمع لالتقاط نبضٍ توقَّعنا وَهَنه فإذا به يصرخ في الأذن بدوي طلقة.. تجارب مبهرة وشديدة النضج في مدرسة ثانوية مثلاً كنا لا نتوقّع منها أكثر من محاولات عفوية تصيب أحيان أو تضل، ولا أحد يستطيع إدراك مدى فرحنا وحبورنا بهذا الظفر.. على هذه المساحة تقدم الجزيرة الثقافية تجارب جاءتنا بالفرح، ونرمي من وراء ذلك إلى ثلاثة أشياء..
أولها رسالة تطمئن كل الطامحين أن هذا هو حجم التكريس منا فلا مجال للخذلان.
وثانيها دعوة إلى الطيبين من مثقفينا ونقادنا لرعاية هذه التجارب ولو بالنصح، وهم يقينا لا يتخلون عن رسالتهم.
وثالثها رسالة إلى الرائعات من المعلمات اللائي مثّلت لهن هذه المهمة هاجساً نبيلاً ودائماً.. رسالة ربما تقول: عزفكن ليس منفرداً فها نحن جاهزون لإتمام السيمفونية..
الثقافية
