أهدى إليَّ الأخ الكريم د. محمد السيد كتاباً ألفه الأستاذ زارع حسين مرعي الشريف عن منطقة الحوراء التاريخية التي كانت حاضرة مشهودة معروفة حتى فترات متأخرة حيث تلاشى دورها -كما هو الشأن في كل شيء في هذه الحياة الدنيا - ليبرز منذ حوالي عشرين ومئة عام اسم «أُمْلج» التي تبعد عن موقع الحوراء مسافة لا تتجاوز ثلاثين كيلو متر، وهو كتاب تاريخي جغرافي مزود بصور كثيرة لمواقع تاريخية، ولمدن وقرى الحوراء، وبعض معالم التطور فيها، وهي صور مفيدة وإن كانت غير واضحة، فهي ليست صوراً احترافية، وإنما هي صور من آلة تصوير خاصة بالمؤلف -حسب ظني-.
الكتاب صدر عام 1428هـ، ويقع في (278) صفحة من القطع الكبير أهداه المؤلف إلى أمير منطقة تبوك «فهد بن سلطان بن عبدالعزيز» مشيراً إلى نعمة الأمن والخير والازدهار التي منَّ الله بها على مناطق المملكة في ظل راية التوحيد.
تضمن الكتاب باباً عن تاريخ شبه الجزيرة العربية والحجاز، وفيه حديث عن الحوراء اسماً وموقعاً، وتاريخها قبل الإسلام من حيث جغرافيتها وسكانها، وبعض أعلامها، ثم تاريخ الحوراء بعد الإسلام، وسكانها وأعلامها، كما تضمن الكتاب باباً عن أملج وتاريخها وموقعها وتضاريسها ومناطقها السياحية مع الإشارة إلى بعض الرجال المشهورين من رجال هذه المحافظة.
الحوراء -كما يقول المؤلِّف- من المواضع القديمة المعروفة في الجاهلية، وأكد هذا القول بما نقله عن الكلبي من أن رجلاً من جهينة يقال له: عبدالدار بن حديب، قال لقومه: هلمَّ نبني بيتا بأرض الحوراء نضاهي به الكعبة ونعظِّمه حتى نستميل به كثيراً من العَرَب، فأعْظَمَ قومُه هذا القول عليه، وأبوا أن يجيبوه إلى ما طلب، فغضب منهم وقال شعراً:
ولقد أردتُ بأن تُقَام بنيَّةٌ
ليسَتْ بحُوبٍ أو تطيف بمأْثَم
فأبى الذين إذا دُعُوا لعظيمةٍ
راغوا ولاذوا في جوانب قَوْدَمِ
وأقول: يبدو أن هذا الرجل نسي ما جرى لأبرهة في قصة الفيل، وأن قومه كانوا على دراية بذلك فأنكروا عليه ما قال.
وأشار المؤلف نقلاً عن ياقوت الحموي في معجم البلدان إلى أن هناك من أخبره بأنه رأى الحوراء سنة 626هـ وأن ماءها كان مالحاً، وبها أثر قصر مبني بعظام الجمال، وليس بها أحدٌ ولا زرع ولا ضرع، ويقول المؤلف تعليقاً على ما أورده ياقوت الحموي: وأعتقد أن المكان الذي ذكر لياقوت إنما هو قرية «قصر كريم» التي يطلق عليها «القصير» وهي شمال الحوراء تبعد عنها أكثر من مائة كيلو متر وما زالت بقايا تلك العظام موجودة إلى الآن.
وأقول: سبحان الله كيف يتفنن الإنسان أحياناً في الإتيان بما يستغرب طلباً لخلود الذكر، وما أظنُّ بناء قصر من عظام الجمال إلا من هذا الباب، وإنما الخلود الحقيقي للحكام وولاة أمور الناس بالعدل والإنصاف، وتحقيق مصالح العباد والبلاد.
في الكتاب معلومات كثيرة -جغرافيا وتاريخياً وحاضراً- عن أُمْلج والحوراء، اللتين قال عنهما المؤلف: «ويتضح لك أيها القارئ الكريم الصلة القوية بين أملج والحوراء، فأملج هي حاضر الحوراء، والحوراء هي ماضٍ عريق لمدينة أملج، وهذا ما دفعني إلى المطالبة بتغيير اسم نادي العقيق الرياضي بأملج إلى نادي الحوراء الرياضي، وقد كان ذلك بموافقة من الأمير «فيصل بن فهد» رحمه الله عام 1403هـ.
بقي لي أن أوجِّه رسالة إلى أمراء المناطق في المملكة العربية السعودية، أنْ يتبنَّوا مثل هذه الكتب ويدعموا مؤلفيها مادياً ومعنوياً، ويطبعوها طباعة جيدة، تليق بالمستوى التاريخي والثقافي لبلاد الحرمين الشريفين، كما أوجه رسالة إلى مؤلف الكتاب الأستاذ زارع تتضمن الإشادة بجهده، والشكر على تأليفه، كما تتضمن النصيحة بإعادة النظر في صياغة الكتاب من حيث سلامة اللغة والأسلوب، ففي الكتاب أخطاء نحوية كثيرة- ليست طباعية- واقترح أن يتوقف عن توزيع هذه الطبعة، ويقدم للقارئ طبعة جديدة بعد التصحيح والتصويب، وأدعو صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان لدعمه وتبني طباعته، فهو كتاب يستحق الدعم والتبني، وأولى من يقوم بذلك أمير المنطقة. منطقة تبوك التي تُعَدُّ أملج إحدى محافظاتها.
وبهذه المناسبة أقول للأمير «فهد» جزاك الله خيراً على سلسلة المساجد التي تبرَّعْتَ ببنائها في محافظات منطقة تبوك، فقد رأيت نموذجاً منها في أملج، وأخبرني الإخوة أنها موجودة بهذا الطراز في محافظات المنطقة كلها.
إشارة:
معالم خيرٍ في بلادٍ كريمةٍ
لها من كتاب الله نورٌ ومنهجُ