في يوم الجمعة الماضي زُلزلت اليابان زلزالاً يعد الأقوى منذ بدء قياس الزلازل قبل مئة وخمسين سنة، وأسفر عن دمارٍ هائلٍ في المباني والمرافق والمنشآت، ثم موجة تسونامي عاتية بارتفاع عشرة أمتار وبسرعة سبعمائة كيلومتر في الساعة تحمل طاقة تعادل وزن ملايين الأطنان من مياه المحيط لا تذر من شيء مرت عليه إلا جعلته كالرميم.
اكتسحت هذه الموجة الشاطىء الياباني خلال دقائق وسافرت عبر المحيط البعيد تزرع الرعب في شواطئه حتى الطرف الآخر من العالم. أشعل الزلزال حرائق هائلة في مصافي نفطية ومفاعلات نووية، وجرف التسونامي آلاف السيارات والسفن وعددًا من القطارات نحو البحر، ومحا بلداناً بأكملها من الخارطة. لهذه الكارثة أبعاد إنسانية أليمة لا يُمكن التعبير عنها في أسطر قليلة. ولكن ما دامت هذه الزاوية تركز على الاقتصاد فسألقي شيئاً من الضوء على بعض الأبعاد الاقتصادية لتلك الكارثة لاسيما وأن اليابان شريك اقتصادي رئيسي للمملكة ويُعد ثالث أكبر اقتصاد في العالم ومن أكبر المستهلكين والمستوردين للنفط.
تُعاني اليابان صعوبات كبيرة على صعيد الاقتصاد الكلي، بدَينٍ عام يعادل ضعف الناتج القومي، وبعجز في الميزانية يتجاوز العشرة بالمائة من الناتج القومي، مما سيحد من قُدرة الحكومة اليابانية على توفير الأموال اللازمة لإعادة بناء ما دمره الزلزال وسيزيد من تلك الصعوبات.
ولكن من ناحية أخرى تتمتع الخزينة العامة بقدرة كبيرة على الاقتراض سواءً من السوق، أو من المستقبل عبر طباعة المزيد من النقود، لاسيما وأن المبالغ المطلوبة قد لا تتجاوز المئة بليون دولار، وهو مبلغ قليل مقارنة بمبلغ المئة وثلاثين بليون دولار الذي أُنفق على ترميم ما دمره زلزال عام 1995م وحوالي المئة بليون دولار إثر زلزال 2004م.
وطالما أن اليابان تعاني من ركود مُزمن في النمو الاقتصادي، فإن الكارثة الحالية قد تُنعش الاقتصاد قياساً على ما حدث بعد كوارث مماثلة في الماضي. وعلى صعيد آخر يتوقع بعض الخبراء تعرض الدولار للمزيد من الضغط نتيجة تحويل الحكومة اليابانية بعض أرصدتها إلى العملة المحلية من أجل الإنفاق على مشاريع إعادة البناء.
وسيستفيد قطاع السلع المعمرة في الولايات المتحدة، لاسيما السيارات، من فترات توقف المصانع اليابانية، وسترتفع أسعار بعض المواد الأولية وشبه الأولية التي تحتاجها جهود إعادة البناء.
ويتوقع بعض الخبراء استفادة قطاع البتروكيماويات في المملكة من فترة الانقطاع المؤقت في إنتاج مصانع البتروكيماويات اليابانية، وستنتكس خُطط مشاريع الطاقة النووية في أمريكا والعالم وسيتعزز قطاع الطاقة المتجددة.
والله أعلم.