استيقظت اليابان ومعها العالم يوم الجمعة الماضية على زلزال عنيف تبعه موجات مد بحري «توسونامي» بطول 10 أمتار يُقال إنها الأقوى والأعنف في تاريخ أرخبيل الجزر اليابانية, مخلفاً فاجعة من العيار الثقيل, فقد بلع هذا الإعصار مدناً بأكملها وأخفى جزراً ومباني وموانئ لم تعد على الخريطة بعد تاريخ ذلك اليوم الأسود, ووقّع على أكبر وأغلى فاتورة دمار وطني ستدفعها البلاد, كما تتخوّف الحكومة من تسرّب إشعاعي واستمرار موجات «التوسونامي» في الأيام القليلة القادمة مما ينذر بولادة كارثة ومأساة إنسانية مؤلمة.
مثل كثير من السعوديين والعرب لم أكن أعرف الكثير عن اليابان.. معلومات جغرافية وتاريخية بسيطة عنها من هنا وهناك, أسمع عن الجودة والعبقرية اليابانية المتمثّلة في ابتكار أجهزة الكمبيوتر وصناعة السيارات.
إلى حين غزا الإعلامي المتألق «أحمد الشقيري» في أحد مواسم برنامجه الشهير «خواطر» اليابان طمعا ًفي تأمل تلك التجربة عن كثب ومحاولاً أن يجعل من الفرد العربي تلميذاً لا زبوناً شرهاً أمام هذا العملاق, ومتمنياً اقتباس بعض من السطور الذهبية لقصة ومعجزة اسمها (اليابان).
فبعد معاناتها من ويلات القنبلة الذرية, صممت على النهوض رغم أن الخبراء أكّدوا على استحالة وجود اللون الأخضر على أرضها مرة أخرى! كما أن بعض دول العالم فرضت عليها حظراً تاماً على التسلّح, أو مشاركة الجيش في أي عملية خارج أرضها, فتنبأ الجميع بانتهاء دولة اليابان وذوبان هيبتها وضمور قوتها وعجزها عن القيام بشيء مجد للبشرية.
وحدثت المفاجأة, وظهرت للعالم بقوة أعظم من القوة العسكرية, وكشفت عن وجه النهضة التي تريد, ووجدنا أننا أمام دولة تصنّف من دول العالم الأول بامتياز, واكتشفنا أننا بصدد التعرّف على أمة وشعب صاحب مبادئ نبيلة وقيم رائعة, فهو من لا يؤمن بالفشل، بل التجربة, ولا ينتظر الفرص، بل يخلقها, ولا يقرأ التاريخ، بل يكتبه حينما أبهر العالم بارتفاع معدل الإرادة والإنسانية والوطنية في أعماقه.
تابعنا عبر حلقات «خواطر» احترامهم لأحلامهم وثقافتهم وتجربتهم, وانبهرنا بالنظافة والإتقان والحضارة التي تسحرك في الشوارع والمدارس والبيوت, شاهدنا بإعجاب مدير المدرسة وهو يستقبل الطلاب أمام بوابة المدرسة في تمام السادسة صباحاً وعندما أقول تمام - فأنا أقصد بالضبط- وراقبنا الطلاب وهم ينظّفون الفصول بعد نهاية اليوم الدراسي, ويكرّرون كلمة (يومياً) عن طريقة تناول الطعام بأدب واحترام, ثم يتناولون الغداء مع أستاذتهم, ويغسلون الأطباق ويعودون بهدوء لإكمال اليوم الدراسي بعد أن سبقهم المدير بتناول الطعام ذاته بنصف ساعة ليطمئن بنفسه على نظافته وجودته خوفاً على صحة التلاميذ.
وتعجبت حقيقة حين قرأت مرةً عن يوميات موظف ياباني يعمل في إحدى الشركات التي تبدأ الدوام باجتماع في إحدى صالات الشركة لترديد نشيد ألّفه أحد كبيري المديرين التنفيذيين, يعقبه تمارين رياضية صباحية ليفتتح الموظف يومه بمعنويات عالية وبالتالي إنتاجية وإتقان أكبر في العمل.
لذا أشعر بحزن كبير تجاه ما حدث لهذا الشعب العظيم الذي أعطى وما زال يقدّم دروساً مجانية للعالم في الإرادة والتصميم والتغلب على ظروف الحياة القاسية.
لا شك لدي بأن اليابان ستنهض من تلك الكارثة الطبيعية الأصعب والأعقد في تاريخها وهي أقوى وأجمل وأكثر شباباً ورونقاً.. فهي التي تفهم وتستوعب الدروس جيداً ولا تضيع وقتها في البكاء على الماضي وندب حظوظها في الحياة، بل تتعلّم بعد أن تتألم, وتحلّق بعد الانكسار كطائر الفينيق.
أخيراً وجدت نفسي أتساءل رغماً عني: ماذا لو حدث ذلك التوسونامي في إحدى الدول العربية؟! كم عاماً سنقضي للبكاء والنحيب على تلك الكارثة!؟ كم سنة ستمضي ونحن نتهم تلك الجهة وتلك بسبب تقصيرها؟ كم يلزمنا من الوقت حتى نرفع رؤوسنا مرة أخرى ونواجه العالم؟ كم عقلاً يابانياً نحتاج حتى نتعلّم من أخطائنا ونركّز على الحل بدلاً من المشكلة!؟ أسئلة مرهقة وأجوبة والله مؤلمة حتى العظم.