المستشفيات الجامعية تُصنَّف في الدول المتقدمة على أنها من أفضل المستشفيات، بحكم وجود أفضل الأطباء بها ودعمها عن طريق البحث العلمي والتطوير الدائم، لكن الأمر لدينا مختلف، حيث إن مستوى وأداء المستشفيات الجامعية ظل متواضعاً مقارنة بمستشفيات قطاعات صحية أخرى عديدة.
المبرر الجاهز هو عدم حصول المستشفيات الجامعية على الدعم المالي المماثل لما يحصل عليه المستشفى التخصصي أو المستشفيات العسكرية أو المدن الطبية. لكن السؤال: لماذا لا تحصل المستشفيات الجامعية على الدعم المناسب، ولماذا لم تتميز؟
هناك خلل جوهري في التركيبة الإدارية المرجعية والتنظيمية للمستشفى الجامعي، وبالتالي يصعب إيجاد آلية تطوير مالي أو إداري أو تنظيمي دون تغييرات هيكلية في هذا الشأن.
المؤتمر السعودي للكليات الصحية الذي تنظمه جامعة الملك سعود تحت رعاية سمو رئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله هذا اليوم سيناقش موضوع المراكز الطبية الأكاديمية، وأرجو أن يطلع المعنيون في هذا الشأن على الورقة التي سيقدمها د. عثمان الحربي في هذا الشأن، وهي تصف أكثر من نموذج عالمي في امتلاك وإدارة وتمويل المراكز الطبية الأكاديمية، وتشير بوضوح إلى أن النموذج المحلي لم يعد قادراً على تلبية التميز في الخدمة الصحية وبالتالي الخدمة التدريبية.
يشرح د. الحربي نموذج التملك الكامل للمستشفى الجامعي والإشراف الكامل عليه من قبل كلية الطب، ونموذج انفصال المستشفى التعليمي تملكاً وإدارةً عن كلية الطب والجامعة، والنماذج الأخرى التي تأتي بصيغ مختلفة بين هذا وذاك. على سبيل المثال؛ في المراكز الطبية الأكاديمية الكندية نجد الجامعات لا تملك المستشفيات، وإنما تستخدمها كمستشفيات تعليمية وفق عقود مشتركة، ووفق تمثيل في مجال الإدارة، ووفق عقود مقننة مع الأطباء تسمح لهم اختيار المسار الذي يعملون به، هل هو أكاديمي أم خدمي أم مشترك، والمدير التنفيذي للمستشفى لديه السلطات التنفيذية داخل المستشفى بينما عميد كلية الطب لديه الصلاحيات الأكاديمية في كليته. بينما نجد النماذج الأمريكية متنوعة فبعضها يتجه إلى تخصيص المراكز الأكاديمية وتحويلها إلى قطاعات عمل منتجة وبعضها لا تزال الجامعة تملك مركزها الطبي الأكاديمي، لكن وفق إدارة تنفيذية محترفة وليس وفق معاملته ككلية وكجزء من كلية الطب. أحد النماذج يتمثل في فصل ممول الخدمة عن مقدمها عبر إنشاء صندوق صحي للخدمات الصحية الجامعية ومن ثم إدارة المستشفى الجامعي وفق عقلية اقتصادية كمستشفى يحصل على ميزانية نظير الخدمة الصحية الحقيقية التي يقدمها (شيء يشبه التأمين الحكومي المطبق في بعض الدول).
محلياً، هناك من يرى إدارة المستشفيات الجامعية وفق ما يُعرف ببرامج التشغيل الذاتي، ويبدو ذلك خطوة أفضل من الوضع الحالي لكنه لا يكفي ما لم يصاحبه/ يسبقه إعادة الهيكلة التنظيمية والمرجعية الإدارية في ما يخص الاستقلالية المالية والمرجعية الحاكمية للمستشفى. أحد الحلول يتمثل في فصل المستشفيات الجامعية عن الجامعة وعن وزارة التعليم العالي بصفة عامة وإعادة الاعتبار لنموذج المستشفى التعليمي وليس بالضرورة الجامعي.
هذا المقال ليس لتقديم الحلول أو التوسع في التفاصيل وإنما هو يثير قضية المراكز الطبية الأكاديمية ويطالب بدراستها بشكل مستفيض وبالذات في ظل التوسعات الكبيرة في مجال التعليم الصحي بالمملكة، مع ضرورة إشراك الكفاءات الشابة الحديثة -أمثال د. الحربي- في مثل تلك الدراسات على اعتبارهم يقدمون لنا فكراً جديداً مختلفاً عن ذلك الذي ساد عقوداً من الزمن، مع تقديرنا لأساتذتنا الكبار الذين لم يستطيعوا الخروج من مأزق النموذج الأوحد في هذا الشأن.