وانفض عرس الورق، وذهب الكتاب لأرففه من حيث أتى..
ترك بين أيدي الناس من أسرته أفراداً..
صغار يتطايرون كالفراشات في أودية القص، والتعلم، والنهل، والارتواء..
وكبار يكنُّون في ساعات الليل لطعم الملح في كشوفاته، ورتق المتاهة في غياباته، وبحر المد من محاراته..
يقبضون على لؤلؤ الفكر، ويقلبون حمم الأسئلة، في أي الاتجاهات تنضج إجاباتها..؟
عرس جميل هذا الذي أقامته الثقافة في دارها، لأيام، وليال عشر..
وأي عرس؟
وزخات المطر تغسل حسرة اللحظات الأخيرة، في وهج ليلته الأخيرة..؟
الورق له طعم خاص، نافذ بتلك الأفكار المرسومة على أديمه، ماثل بأولئك الواقفين بأسمائهم على قارعته، المندسين بين أحباره في ذراتها، يتحركون ماشاءت لهم أفكارهم، وما انطلقت مكابح جيادهم،..
ما اعترى في العرس أنهم كثر..،
أولئك المقتحمون دروبه..كثر
أترى سيفرِحون المقبلين على أوراقهم؟، أم سيذرُّون مرَّا في ذائقتهم..؟
أيكسبون من انتخبهم رفقاء بعض ساعاته بالبقاء ما شاؤوا معه ..؟ أم يبددون ثمن فضوله بالاقتراب من مكامنهم ..وهم يبهتون في لحظتهم..؟
فالرواة، والشعراء المتسيدون طاولات العرس، طالت قوائم أسمائهم..
ما شاءت أريحية الورق أن تمدهم بمساحاته..
وما سمحت لهم روافد محابره..
أيبهج هذا الانثيال بقاءً..؟
أم هو موجة تعتري مع مد السيل..؟
أسماء ليست في الذاكرة أبنيتها.., تتصيد أعيناً لم تألف حروف أسمائهم..
بعناوين تدعوك لتحملها، لتتعرفها، لتغوص في تفاصيل أبجدياتها، لتغب في أنسجة أفكارها، لتبحر في مساراتها، لتكتشف مكوناتها، لتفحص أبنيتها، فإما أن تلم إلى منتخباتك أوعيتها باطمئنان، وإما أن تضعها جانباً، وتصبح اقتناءً منثوراً..
والمستقبل كشاف..
عرس الورق، انفض..
ومن الحضور فيه نخب قد رافقوك..
ستمنحهم أماكن فارهة في احتفائك..
ستهبهم فرحة اعترتك وأنت تأخذ بهم عائداً لصومعتك
نزلاء محتفى بهم على أكرم وجه..
وبقدر ما وهبك عرس الكتاب من نبض، وجدد فيك من خلايا، وزادك أريحية بذل.., ستكون مهيأ لأن تمضي مع من اخترتهم فيه للإقامة معك، وقتاً طويلاً..ماتعاً وجميلاً..
فتلك الأسماء التي سعيت إليها سعياً، زادك العرس بهاء بها..
أما أولئك الكثر الذين انثالوا على الورق، و دلقوا المحابر
فكم سيشكلون في أوراقهم من الفرح في نفسك..؟
وكم منهم سيبقون في الذاكرة..؟ وكم سيتبخرون..؟
سيفضي بالإجابة، ذلك الوميض الذي شدك في العرس إليهم, إن بقى دون أن ينطفيء.. فمن منهم يراهن على البقاء..؟