الإعلان مؤخرا عن إنشاء بنك استثماري سيضخ مائة مليار جنيه في الاقتصاد المصري بالتأكيد خطوة جبارة من رجال الأعمال السعوديين فمصر أكبر سوق عربي من حيث عدد السكان وتحتاج إلى نمو كبير في الاستثمارات لتواكب حجم الطلب لديها مما يعني فرص ربح مؤكدة للمستثمرين كما أن دعم الاستثمارات العربية البينية أمر له منافع كبيرة على المجتمع العربي.
فقوة مصر اقتصاديا تعزز قوتها الإقليمية وبالتالي انعكاس إيجابي لكل الدول العربية لكن هذا الحجم الضخم من الاستثمار والذي يصل إلى ما يفوق 60 مليار ريال سعودي يطرح تساؤلات عديدة بنفس الوقت فرجال الأعمال السعوديون الذين سيشاركون بهذا البنك لديهم استثمارات محلية كبيرة ولكن في سوق المملكة الأكبر عربيا من حيث الاستهلاك والطلب الحقيقي هناك دعوات كبيرة لجذب الاستثمارات من الخارج وتتحدث الجهات المعنية بجذب الاستثمار لسوق المملكة عن فرص كبيرة وواعدة ولعلها لا تحتاج إلى توضيح فهي معلومة للعامة قبل الخاصة أو المتخصصين.
لكن لماذا تغادر هذه الأموال الضخمة وإن كان على دفعات أو على سنوات إلى خارج المملكة لا بد من أن هناك أسباب أخرى تعيق بقاء جل هذه الأموال في الداخل أو بشكل أدق هناك عقبات ومطبات تقف حاجزا أمامها على الأقل من وجهة نظر رجال الأعمال.
وقد سبق للشيخ صالح كامل وهو رئيس مجلس الغرف السعودية أن أوضح بأن المستثمر الأجنبي يتمتع بمزايا أفضل من المستثمر السعودي في عدة مناسبات سابقة في إشارة كانت واضحة لمدى مرونة هيئة الاستثمار مع المستثمرين من الخارج بعكس دور الجهات المعنية بالداخل مع رجل الأعمال السعودي.
فإذا لا بد من وقفة جادة تكشف حجم العوائق وضررها في توطين الاستثمارات السعودية محليا وإتاحة الفرص أمامها لتبقى في الداخل فسوق المملكة بحاجة إلى استثمارات ضخمة في المجال الصناعي والعقاري والخدمي كما أن هناك مئات الآلاف من العاطلين عن العمل ولم يعد التأهيل العلمي أو المهني عائقا أمام التوظيف فالحكومة قامت ببرامج تأهيلية جبارة ولعل برنامج خادم الحرمين الشريفين حفظه الله للابتعاث الخارجي أكبر ممول للكوادر البشرية المؤهلة بمختلف التخصصات وبأعداد كبيرة جدا.
كما أن سهولة حصول رجال الأعمال على ترخيص بإقامة بنك في مصر يدلل على إحدى نقاط الإعاقة التي تواجههم محليا في إنشاء مصارف سواء تجارية أو متخصصة ونعلم جميعا حاجة الاقتصاد السعودي الضخم والذي يمر بأزهى أيامه إلى قطاع مصرفي كبير يعنى بدعم الاستثمار المحلي ويوفر التمويل لكل الأطراف الفاعلة بالاقتصاد من شركات ومؤسسات وأفراد ولعل القطاع السكني خير دليل على الحاجة الماسة لضخ أموال ضخمة تواكب حجم الطلب فيه.
في زمن العولمة وحرية تنقل رؤوس الأموال لا يوجد شيء مستغرب بحركة الاستثمارات لكن الإعلان عن ضخ هذه الأموال خارج المملكة وهي الأكثر ملاءة بالفرص فرض تلقائيا إعادة النظر بقوانين الاستثمار وتنشيط قطاع الأعمال في الاقتصاد الأكبر عربيا وشرق أوسطيا والعضو في مجموعة العشرين والذي يتوقع له أن يكون من بين أبرز اقتصاديات العالم خلال العقود القادمة ففي الوقت الذي تقوم الدول ومن بينها المملكة بمنح مزايا عديدة للمستثمر الأجنبي لجذب أمواله للاقتصاد الوطني نجد أن الأموال السعودية تخرج بأرقام كبيرة كما هو معلن حاليا فأين الخلل ولماذا يبقى العلاج له متأخرا فنحن لا ينقصنا المال بقدر ما ينقصنا التقنية والصناعة الحديثة وتوطينها محليا برؤوس أموال محلية ومشتركة أيضا.
أما النقطة الأخيرة المثيرة للاستغراب هو توقيت ضخ هذه الأموال ففي الوقت الذي كانت الظروف توحي بتمتع مصر باستقرار سياسي بالمرحلة السابقة لم يتم جذب هذا الحجم من الاستثمارات السعودية لمصر بينما نرى أنها توجهت بمرحلة انتقالية تعيشها مصر مما يعني أن هناك عوائق كبيرة سابقا لم تجذب الاستثمار لها وهذا بدوره يتطلب تدخلا من الجامعة العربية لوضع مشروع يلزم الدول العربية بمعايير ثابتة لجذب الاستثمارات العربية البينية مع توفير كامل الحماية القانونية لها من خلال برنامج إجراءات لا يقبل القسمة على اثنين ويترك لكل دولة وضع بعض التفاصيل الخاصة بها وما يتمتع به اقتصادها وأي نوع من الاستثمار تحتاج.