تعد البعثة الدبلوماسية السعودية في مصر واحدة من أكبر البعثات الدبلوماسية للمملكة بالخارج، ولا يوازيها من حيث العدد وحجم العمل سوى البعثة الدبلوماسية الأمريكية، ويعود ذلك إلى أهمية مصر بالنسبة إلى المملكة، وحجم العمل، وعدد الرعايا السعوديين الذين يتجاوزون ربع مليون شخص ما بين طلاب ومقيمين ومستثمرين وسياح وزائرين، وأغلبهم لهم مشاكل وهموم ومصالح تحتاج من البعثة الوقوف معهم ومساعدتهم وتذليل العقبات التي تواجههم بالتفاوض مع السلطات المصرية المختصة. يضاف إلى ذلك حسن إدارة العمل القنصلي الضخم من تأشيرات عمرة وحج وعمل وزيارة ومرور.
وخلال الفترة الماضية كانت البعثة وأداء رئيسها محل نقد الرأي العام السعودي رغم الجهود الجبارة التي بذلتها من أجل أداء واجباتها تجاه الرعايا السعوديين أثناء الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر. فالخبرات المتراكمة لرئيسها السابق لم تشفع له من الاتهام بالتقصير، والسبب الرئيس في ذلك يعود من وجهة نظرنا إلى كيفية التعامل مع الرعايا السعوديين، والاعتماد على بعض العناصر اللذين لا يمتلكون قدرات شخصية، أو مهارات العمل الدبلوماسي.
وأمام السفير الجديد جملة من التحديات والمهام الصعبة في إدارة المصالح السعودية في المجالات السياسية، والاقتصادية، وشؤون الرعايا السعوديين. ويهمنا في هذا المجال الجانب الاقتصادي لعمل البعثة وشؤون المواطنين السعوديين. فنجاحه مرهون بحسن التعامل مع القضايا الاقتصادية، وتذليل الصعاب التي تواجه الواردات السعودية لمصر، ووضع الاستثمارات السعودية، وقضايا الرعايا والطلبة والسياح، وتعامل السلطات المصرية معهم، وممتلكات المواطنين التي تضررت، وقضاياهم لدى السلطات والمحاكم المختصة.
لقد ظلت الفلة الصغيرة التي تشغلها السفارة في شارع مراد بالجيزة تبدوا تضيق ذرعاً بزوارها من المواطنين، رغم أنهم مقتنعون بأن الصدور المنشرحة كفيلة باستيعاب همومهم وفقاً للقيم الثابتة التي تعودوا عليها من خلال سياسة الأبواب المفتوحة التي أكد عليها خادم الحرمين الشريفين أكثر من مناسبة، وحيث إن البعثة على وشك الانتقال إلى مقرها الجديد الذي يتكون من أبراج تعانق السماء، فبالتأكيد أن سقف آمال وتطلعات المواطنين السعوديين في الخدمات التي يمكن أن تقدمها لهم السفارة لا يقل عن ارتفاع مقرها الجديد.
ومن المؤكد أيضاً، أن السفير لا يعمل لوحده، وإنما نجاحه يعتمد على معاونيه ممن يتولون العمل في أركان السفارة في الشأن السياسي والاقتصادي وشؤون المواطنين والعمل القنصلي. وهؤلاء يجب أن يكونوا من المحترفين اللذين يجيدون قيم العمل الدبلوماسي ممن يتمتعون بالنزاهة والقدرات الشخصية في التفاوض والتواصل مع الآخرين، ولا تتركز اهتماماتهم على الخدمات الفئوية، واختيارهم يجب أن يكون مسؤولية وزارة الخارجية.
البعثة الدبلوماسية السعودية في مصر ليست أي بعثة، والتطورات الجديدة على الساحة المصرية، وسلطة إعلام المواطن، سوف تجعل أدائها تحت المجهر والتقويم المستمر.