أظهرت احتجاجات أبناء الشعب العراقي المتجمعين في ساحة التحرير في بغداد البعد الشاسع بين حكومة الشراكة الوطنية التي يترأسها نوري المالكي وبين آمال الشعب بالإصلاح والتغيير الذي وعد به كل رؤساء الكتل السياسية المشتركة في وزارته المسماة بالشراكة الوطنية مجازاً بل هي في حقيقتها المتضادات الوطنية والتي حشرت بأسماء حزبية وتنصيبهم وزراء لحقائب لا يفقهون حتى مهماتها الفنية الرئيسية.
نفد صبر الشعب العراقي على حالات الفساد المالي والإداري التي يعيشها الجهاز الحكومي منذ سقوط بغداد باكتساح القوات الغازية الأنكلو-أمريكية وهدم مقومات الدولة الأساسية واستهداف القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية والإعلامية وتشتيت كل مكوناتها وأصبح العراق عارياً أمنياً مما فتح كل الأبواب أمام الفوضى المستهدفة في هذا الغزو الأجنبي وامتدت رياح طوفان الفوضى لأبواب المتحف الوطني الذي تعرض للنهب من قبل جنود الغزاة ومعهم حرامية بغداد من عملائهم!
في القرن الواحد والعشرين عهد الثورة العلمية إلكترونية وبغداد تسهر على ضوء «فوانيس علي بابا» والماء الذي يوصف بأنه لا طعم ولا لون له هذه صفاته في كل العالم إلا في بغداد فماء دجلة أصبح ذا لون أصفر وطعمه خليطاً منفراً من محتوياته العفنة ذات الرائحة التي تبقى يوماً كاملاً تهب من جسم من بغى الاستحمام بقصد النظافة بذلك الماء. أما المستشفيات فالصيدلية خاوية وإن وجد فيها دواء فمنتهي الصلاحية تم استيراده من الجارة المذهبية إيران ورائحة فضيحة حقن «الفولترين» التي تسببت في شلل العديد من مواطني «محافظة الحلة» جنوب بغداد بسبب هذا الدواء الداء!
وبلغ عدد السجون المنتشرة في الجنوب والشمال على مساحة جغرافية أوسع من توزيع المدارس الابتدائية المبنية من طين الوطن وقصب الأهوار والتي لا تقي من مطر الشتاء وقيض شمس الصيف اللاهب. هذا موجز مركز ومختصر جداً للحالة الخدمية التي يعيشها يومياً المواطن العراقي الذي نفد صبره وانفجر!
ولم تستطع حكومات علاوي والجعفري والمالكي الأولى والثانية تحريك عجلة التطور الخدمي للأمام بل دفعها التخريب والفوضة مراحل عديدة إلى أسفل السلم وبجهود هذه الحكومات المتتالية بلغ العراق المرتبة الأولى في الفساد المالي والإداري الدولي وأزاح كل نماذج الدول المتخلفة في القارات الخمس عن طريقه في مقدار ونسبة التخلف الاجتماعي لأرض وهبها الله سبحانه كل مصادر الخير والرفاه وابتلاها بكثرة توالد الحرامية من أرحام ترابها ابتل بالعرق والدم.
احتوى البرنامج الوزاري الذي عرضه المالكي على أعضاء البرلمان العراقي على كلمة مشتركة شغلت بداية لكل مشاريعه المستقبلية هي «سوف» وقاطعته إحدى نائبات الكتلة الكردستانية ضاحكة «دولة الرئيس برنامجكم السابق قبل أربع سنوات كله نقل لهذا البرنامج ومعه كلمة سوف» هذا مؤشر سياسي لعدم التزام حكومة المالكي بوعوده بالرخاء الاقتصادي التي أعلنها في برنامجه الانتخابي لكتلة دولة القانون طيلة مراحل حكومته الأولى والثانية ناهيك عن تنصله وحزبه «الدعوة الإسلامية» عن الالتزام ببنود مبادرة البرزاني وأهمها تأسيس مجلس رئيس الكتلة العراقية له وقد يأس علاوي من هذه الوعود المرحلة للمستقبل المجهول وأعلن انسحابه من رئاسة هذا المجلس وعبر الدكتور علي الشلاه أحد نواب كتلة المالكي عن الدعوة لترشيح العراق للدكتور علاوي لمنصب أمين عام الجامعة العربية إثر رحيل الأستاذ عمرو موسى عن هذا المنصب والهدف دفن المجلس الاستراتيجي العراقي والتخلص من تأثير شخصية علاوي المعارضة للنفوذ الإيراني المتسلط على مراكز القرار العراقي!
فترة التجربة الخدمية لبعض وزارات الشركة الوطنية والمحددة بثلاثة أشهر يهدف المالكي منها إحراج الوزراء المنتمين لكتل مشتركة بوزارته فرض عليه المشهد السياسي الذي جاءت به الانتخابات الماضية ورغبته في رفع المسؤولية عن رئاسته وتحديدها بتلك الوزارات التي تشرف على الزراعة والمياه والتجارة والكهرباء وجميعها تنتمي للكتلة العراقية برئاسة خصمه السياسي علاوي!
وهو يعلم جيداً بأن النقص الخدمي المتراكم منذ تسعة أعوام لا يمكن إنجازه بمئة يوم.
العراق لكي ينهض من جديد لابد له من سونامي وطني بلغة عربية لا تسمع مع هديره اللكنة الأمريكية أو الفارسية!
* هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية