ندرك جميعاً أنه بعد أن تم الإعلان عن قيام إسرائيل سنة 1948م على أثر وعد وزير خارجية بريطانيا الأسبق بلفور بإيجاد وطن لليهود على حساب الشعب الفلسطيني أعدت هيئة الأمم المتحدة مشروعاً لتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكان ما خصص للفلسطينيين ما نسبته (45%) من مساحة فلسطين، أي ما يزيد عن

مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة الحاليين التي تطالب السلطة الفلسطينية وكذلك العرب بإقامة الدولة الفلسطينية عليهما في الوقت الحاضر.

وإسرائيل لم تدع يوماً قبل حرب 1967م أن الضفة الغربية بكاملها بما فيها القدس الشرقية بالإضافة لقطاع غزة جزءاً منها تمشياً ربما مع مشروع التقسيم الذي كان يعطي الفلسطينيين كما أشرنا من قبل أكثر من مساحة الضفة والقطاع بل إن إسرائيل كانت خلال هذه الفترة تستجدي العرب في الاعتراف بها وإقامة علاقات تعايش معها بالوضع الجغرافي الذي كانت عليه قبل حرب سنة 1967م إلا أن العرب رفضوا ذلك وكان آخر ذلك (اللاءات الثلاث) المشهورة التي صدرت من قمة الخرطوم بعد هزيمة العرب في حرب 1967م برفض الاعتراف بإسرائيل والمفاوضات معها أو الصلح معها مما أعطى إسرائيل انطباعاً بأن العرب جادين في رفضها وعدم قبولها كدولة بينهم.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو عذر إسرائيل في عدم إعادة الأراضي الفلسطينية والسورية وهي الضفة والقطاع بالنسبة للفلسطينيين وهضبة الجولان بالنسبة لسوريا إلى أصحابها بعد أن أعادت سيناء لمصر وبعد أن قبل العرب بمبدأ السلام وبعد أن عدل الفلسطينيون ميثاق منظمتهم الذي يقضي بأن وطنهم فلسطين من البحر إلى النهر فقد وقعت معها كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية اتفاقيات سلام واعتراف، كما أن المملكة العربية السعودية وهي الدولة ذات الثقل السياسي والسياسة المتزنة والمتعقلة طرحت ومن قبل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- مبادرة السلام المعروفة التي تبناها العرب جميعهم في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت سنة (2003) م وأكدوا على ذلك في قمة الرياض التي عقدت في سنة (2007) م والتي تدعو إلى الاعتراف بإسرائيل من قبل سائر الدول العربية وتطبيع العلاقات معها مقابل انسحابها من بقية الأراضي العربية التي لا تزال تحت احتلالها بما فيها القدس الشريف، ولكن إسرائيل بدلاً من أن ترحب وتقبل هذه المبادرة النادرة قامت برفضها مع أنها تضمن لها الأمن والاستقلالية والتعايش مع جيرانها.

إن المبادرة العربية للسلام دليل قاطع على رغبة العرب في إنهاء النزاع في هذه المنطقة بدليل أنهم تنازلوا عن أشياء كانوا يطالبون بها وذلك من أجل أن يسود السلام، ولذا فإن هذه المبادرة فرصة لإسرائيل لا يمكن تعويضها فالعرب لم يطلبوا بموجب هذه المبادرة المستحيل من إسرائيل بل طالبوا فقط بأراضيهم التي احتلتها سنة 1967م فهل تقبل إسرائيل في النهاية هذه المبادرة أم تفوت الفرصة؟

كما أن حكومة اليمين المتشدد في إسرائيل وافقت على مضض على إقامة دولة فلسطينية مسايرة للرئيس أوباما بشرط أن تكون دولة منزوعة السلاح وبدون سيادة فأي دولة هذه التي تريدها إسرائيل للفلسطينيين مع مطالبة إسرائيل العرب بالاعتراف بيهودية إسرائيل واستمرارها في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية الذي يرفضه الفلسطينيون بشدة ويشترطون وقفه للاستمرار في المفاوضات بل إن رئيس السلطة الفلسطينية هدد بالاستقالة وحل السلطة إذا استمرت إسرائيل في تصلبها وإصرارها على بناء المستوطنات.

إن التصويت الأخير الذي تم في مجلس الأمن الدولي الذي جاء لصالح إسرائيل بعدم تجميد الاستيطان ليس في مصلحة إسرائيل على المدى البعيد فبالرغم من كونه التفافاً على عملية السلام وإعاقة لها إلا أنه لن يسكت العرب والفلسطينيين عن المطالبة بالسلام العادل الذي بموجبه يستعيد الفلسطينيون كامل حقوقهم فقد بذل الفلسطينيون كل جهدهم للوصول إلى حل مع إسرائيل عبر اتفاق أسلو واعترافهم بإسرائيل، كما بذل العرب كل ما لديهم لإنجاح عملية السلام بالمبادرة التي أطلقوها ولا شك بأن كل ذلك فرصة نادرة لإسرائيل للعيش مع العرب في أمن وسلام قد لا تتكرر في المستقبل، فهل تعيد إسرائيل النظر في مواقفها وتغتنم هذه الفرصة أم تدعها تفلت من يدها؟

Asunaidi@mcs.gov.sa