كتبت قبل شهر مقالا بعنوان (قلبي عليك يا مصر) بسبب الأحداث والمظاهرات التي حصلت هناك، وها أنا ذا أكتب عن ليبيا بكل قلبي ومشاعري، وكبدي تعتصر مرارة وألما لأن أحداثها ليست كمصر ومستقبلها غامض. فطيلة المظاهرات والاعتصامات العربية لم يقم الرؤساء بإلغاء إنسانية شعوبهم وسلبهم كرامتهم وقتلهم وسحقهم بالطائرات، ونعتهم بالإرهابيين والجرذان مثلما فعل القذافي الذي يريد إخضاع شعبه بالقوة لسلطته، وما ترتب عليه من حصول انقسامات سياسية وتخلٍ عن المناصب ولاسيما في الجيش والداخلية، واعتماده على كتائب خاصة به ومرتزقة موالية له بهدف سحق الانتفاضة، وكأنه انتقام من الشعب.
ولافتقاد الحكمة في ليبيا فإن الأمر قد يفضي إلى منحى دموي ومأساوي! فالمراقب للوضع بواقعية لا يرى بوادر انفراج في الأزمة الليبية بقدر ما يتوجس من اندلاع حرب عسكرية قد تصل إلى حصول مجازر مفتوحة.
وأرجو ألا يقع ذلك ولا يتعدى التوجس فحسب ؛ إلا أننا نتساءل بحرقة وألم : إلى متى ونحن نشاهد ونستطيع تحمُّل مشاهد سفك الدماء والبطش بالمدنيين ولجوء الرئيس إلى أبشع وسائل القمع وتضحيته بعدد كبير من الشعب في سبيل البقاء في سلطته وعلى كرسي عرشه ؟! وبين ورطة التدخل الأجنبي في إنقاذ الليبيين من سطوة الرئيس وما قد يترتب عليها من التوغل لسرقة الثروة الليبية والتحكم فيما تزخر به البلاد من طاقات وثروات نفطية مغرية، وبين ترك الأمر لاختيار الليبيين ومعاناتهم لوحدهم ومكابدتهم الجحيم لدحر كبح جماح الرئيس ؛ فإن العاقل يقع في حيرة وحالة من القلق ودقة الاختيار بين الأمرين، وكلاهما مرّ ! ولأن الاختلاف متباين في القوى فإن المرء يدخل دائرة اليأس، فالقذافي يمتلك من الأسلحة الحربية ولاسيما الجوية المدمرة بما لا يمكن مقارنته بما يتوفر للثوار الليبيين من أسلحة خفيفة، فضلا عن اتخاذه الدروع البشرية لتتحول الحرب إلى مريعة، ولن يغادر بلاده حتى يصل بها إلى الأرض المحروقة، وهو ما لم يفعله أحد بعد في شعبه ! وبرغم أن الرئيس يدرك كما ندرك بأن الشعب الليبي أرفع وأنبل وأسمى مما يدعيه رئيسهم من انتسابهم للقاعدة وأنهم ينفذون أجندتها كمحاولة أخيرة لاستمالة الغرب له وخطب لودهم وتحذير من إمكانية وقف إمدادات النفط ؛ إلا أن ذلك لا ينطلي على أحد من السفهاء فما بالك بالعقلاء ؟! وبرغم أن الجميع كان يتمنى أن تحسم المؤسسة العسكرية أمر النظام ومصيره كما تم في مصر وتشكِّل جسرا آمنا للعبور إلى مرحلة انتقالية هادئة عبر موقف غير مسيَّس؛ إلا أن ذلك لم يحدث فإن الأمل معقود بمجلس الأمن بإضفاء شرعية دولية على مطالب الانتفاضة الليبية وفرض حظر جوي على كل ليبيا لمنع نظام القذافي من نقل المرتزقة الأفارقة أو قتال الثوار جواً.
وقبل ذلك الرجاء بالله وبقوته أن يحفظ هذا الشعب الحبيب العريق، ويلهمه الصمود أمام الطاغية، والصبر لنيل حريته برحيل الرئيس أو موته قبل فوات الأوان، أو الاضطرار لشرع الباب واسعا للتدخل الأجنبي المرير، أو الدخول في حروب أهلية دامية.
www.rogaia.net