هي هيئة متخصصة تضم مجموعة من الفقهاء والاقتصاديين، ممن وهبهم الله فقهاً في الدين، وعلماً في القضايا الاقتصادية المختلفة.
وهدف هذه الهيئة تأطير القضايا الاقتصادية، ودراسة الواقع الاقتصادي، ومدارسة المشكلات والعقبات والتطبيقات الاقتصادية المعاصرة، والبحث عن أفضل الحلول، كل ذلك من وجهة نظر شرعية، مستندة على آيات الله، وأحاديث رسول الله، وآثار السلف الصالح، واجتهادات الفقهاء، ومساهمات الفقهاء والاقتصاديين المعاصرين. وأهمية هيئة الرقابة الشرعية تنبع في إضفاء الأمن والأمان والاطمئنان إلى شرعية ممارسة المصارف وشركات الاستثمار، ومعرفة الحلال من الحرام من المعاملات الاقتصادية، وكشف المشتبهات وإزالة الغوامض، ودرء الشبه عن التطبيق الاقتصادي الراشد.
ومن المعلوم أن معظم المصارف الإسلامية، وشركات الاستثمار الإسلامية، ومؤسسات التمويل، وبيوت الخبرة، ودور الاستثمار والتنمية ومراكز البحث ومكاتب دراسات الجدوى الاقتصادية، والهيئات المتخصصة في تقديم الخبرة الاقتصادية، ومؤسسات الاستشارات الاقتصادية والمحافظ النقدية المحلية والإقليمية والدولية، من المعلوم أن معظمها تستند في إصدار أحكامها، وفي أعمالها ودراساتها، واستشاراتها إلى فتاوى هيئات الرقابة الشرعية، وتستنير بالاجتهادات والأحكام والتكييفات المقدمة من العلماء والفقهاء.
ويُلاحظ اليوم، انتشار ظاهرة صحية علمية، تتمثل في الاستعانة من قبل تلك المصارف، ومؤسسات التمويل والاستثمار، وبيوت الخبرة، والاستشارات الاقتصادية بالمستشارين الشرعيين، والاقتصاديين والإداريين، من أجل المزيد من الرأي والتحليل والدراسة، بحثاً عن أفضل السبل وأكثرها حلية ومشروعية، وأوفرها ربحاً، وأحسنها جذباً للمستهلكين والمستثمرين، على أن تتم تلك الاستعانة وفق برامج علمية دقيقة، ومن خلال معايير جدوى واستثمارات مربحة، وضمن إطار شرعي فقهي سليم.
ولأهمية هذه الهيئات الرقابية الشرعية انبرى غير واحد من الباحثين والدارسين لدراسة هيئات الرقابة الشرعية، سواء في شكل رسالة جامعية، أو بحث محكم، أو دراسة استطلاعية، وسواء على مستوى الواقع المحلي، أو على مستوى الواقع الإقليمي.
وقد أنتجت الهيئات الرقابية الشرعية مجموعة من الإصدارات، وأخرجت لنا عدداً جيداً من الكتب، والأبحاث، والدراسات والمناقشات، تحوي فتاوى شرعية للقضايا الاقتصادية، وكذا دراسات متخصصة في العقود التجارية، والمعاملات المالية وفقهيات النوازل المتعلقة بالقضايا الاقتصادية.
فإن قيل: بعد هذه السنوات الطويلة هل نجحت الرقابة الشرعية في تثبيت دورها في المصارف الإسلامية؟
فإننا نقول: في البدء، يجب التنبيه إلى أن العمر الزمني للرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية ما زال قصيراً نسبياً، ولذا فإني أرى أن أمام الرقابة الشرعية سنوات أخرى من العمل الجاد، والبحث المستمر، والتكثيف العلمي للواقع التطبيقي في الحياة الاقتصادية عامة، والمصارف الإسلامية بخاصة، إلا أن الخطوات الأولى التي تمت تبشر بخير - بإذن الله -، فهي لبنة أساسية في بناء اقتصادي سليم، ولا تزال المصارف الإسلامية تتطلع إلى أدوار أخرى للرقابة الشرعية، خصوصاً أن فقهيات النوازل، ومستجدات العقود، وصيغ الاستثمار وصور البيوع، وأساليب التعامل الاقتصادي تتغير وتتجدد بصورة سريعة، مما يستدعي رأياً فقهياً أصيلاً وتحليلاً اقتصادياً رصيناً، وواقعاً تطبيقياً رشيداً.
فإن قيل: كيف يُمكن التنسيق بين أجهزة الرقابة الشرعية في المصارف المختلفة؟
فإننا نقول: في البدء، ينبغي الإشارة إلى أن آليات التنسيق ما زالت محدودة، وربما لا تكون متوافرة لدى المصارف الإسلامية مجتمعة، وإن كانت هناك لقاءات، واجتماعات، وندوات ومؤتمرات، وحلقات نقاشية، وبرامج تدريبية تتم بين الفينة والأخرى، ويشارك عدد من أعضاء الرقابة الشرعية في معظم المصارف الإسلامية، إلى جانب الأساتذة الأكاديميين في الجامعات السعودية، وفي تخصص الاقتصاد الإسلامي، وكذا الباحثين والدارسين في مراكز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، أو في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي، إضافة إلى علماء وفقهاء من المجامع الفقهية والكليات الشرعية.
ولذا فإني أنادي بوجود مظلة تجمع هيئات الرقابة الشرعية في المصارف المختلفة، ويمكن أن أطلق على هذه المظلة (بيت الفتوى) بحيث يتولى هذا البيت تنظيم الفتاوى الشرعية للمسائل الاقتصادية المستجدة، وكذا الدفاع عن التطبيقات الاقتصادية المعاصرة في المصارف الإسلامية، وعقد اللقاءات، والمؤتمرات، والندوات، والحلقات النقاشية في القضايا الاقتصادية الملحة، وتنسيق الجهود البحثية والميدانية ذات العلاقة بالمصارف الإسلامية.
وهنا ألفت النظر إلى أن للمصارف الإسلامية مظلة تُعرف بالاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، ومقره القاهرة بجمهورية مصر العربية سابقاً، كان أمينه العام صاحب السمو الأمير محمد الفيصل.
ومن هنا أقول: هل يمكن أن يتبنى الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، أو البنك الإسلامي للتنمية أو غيرهما من مثل: رابطة العالم الإسلامي، أو منظمة المؤتمر الإسلامي.. مهمة إنشاء «بيت الفتوى»؟!
علماً بأن هذه المظلة «بيت الفتوى» تعمل على توحيد الفتوى في مجالات العمل الاقتصادي الإسلامي.
فإن قيل: هل الرقابة الشرعية ضرورة بالنسبة للمصارف الإسلامية؟
فإننا نقول: في البدء، أطرح تساؤلاً مغايراً، فأقول: ماذا يترتب على المعاملات الاقتصادية داخل المصارف الإسلامية إذا كانت دون رقابة شرعية؟
نعم، الرقابة ضرورية بالنسبة للمصارف الإسلامية وغيرها، خصوصاً أننا نشهد - كما قلت سابقاً - تغييراً وتجدداً في الأساليب والأنواع والهياكل والاستثمارات والعقود، إضافة إلى اختلاط الحلال بالحرام، والحق بالباطل، والصدق بالتدليس، إلى جانب شيوع أخلاقيات اقتصادية غير سليمة في السوق، وكذا في أوجه النشاط الاقتصادي، فهناك الغش، والغرر، والغبن، والاحتكار، والتلاعب بالأسعار، والإغراق، واستغلال المستهلك وتغفيل المستثمر، وإيهام المنتج، وخداع المسوق، وتوليد رأس المال، واكتناز الثروات، وتعطيل الموارد وأكل أموال الناس بالباطل.
ومن المعلوم أن هناك عقوداً، وصيغاً، وأساليب وحسابات، وكشوفاً، وتحويلات، ووثائق، ومستندات يتم التعامل بها داخل المصارف الإسلامية، مثل خطاب الضمان، وبوليصة الشحن، وبطاقات الائتمان والاعتماد المستندي وغيرها، مما استجد أيضاً في هذا العصر كبيوع التقسيط، وشركات الائتمان، ومؤسسات التقسيط، ومكاتب تحصيل الديون وشراء الأسهم وبيع الأراضي، وبيوت التمويل، وأسعار العقار.
ولا شك أن ذلك كله يعني ضرورة محلة مطلوبة من هيئات الرقابة الشرعية، لتبيان مشروعية تلك المعاملات، وحلية تلك التعاملات، وسلامة تلك العقود والبيوع والتعهدات، وخلو تلك الحسابات والتحويلات والكشوفات والمستندات من الشبه الربوية، وبُعْدِ تلك النشاطات والشركات والمؤسسات عن التحايل والغش.
وجدير بالذكر أن أي مصرف يحرص على أن يكون لديه مستشار أو أكثر، قانوني أو اقتصادي، يلجأ إليه عند حصول معضلة أو مشكل، أو ظهور أزمة أو خسارة، ليسترشد بأقواله وتحليلاته، ويطمئن إلى أفكاره، ودراساته، ويستهدي بآرائه ومعالجاته.
فلماذا لا يكون للمصرف الإسلامي ذي الصبغة الشرعية، هيئة رقابية شرعية، تقوم على أسس صحيحة من الإلمام الكافي بالعلوم الشرعية والعلوم الاقتصادية، والإدراك اللازم بالواقع التطبيقي المعاش، والاطلاع الوافر على ما لدى العرب والغرب من جديد، وإخضاعه لمجهر التقويم والدراسة، للاستفادة من خيره، والتنبيه على شره، والاستئناس بمواده ونظمه وتطبيقاته.
ختاماً: فإني أرى لزاماً عليّ أن أنبه إلى حقائق مهمة أساسية في هذا الشأن، تتعلق بالمصارف الإسلامية والرقابة الشرعية، منها:
1 - لا بد أن تكون للمصرف الإسلامي هيئة رقابية شرعية.
2 - لا بد أن تتميز هيئة الرقابة الشرعية بالاستقلالية.
3 - لا بد أن يتم اختيار أعضاء هيئة الرقابة الشرعية بعناية ودراية.
4 - لا بد أن تجتمع هيئات الرقابة الشرعية تحت مظلة واحدة مثلاً «بيت الفتوى».
5 - ينبغي أن يتوافر لأعضاء هيئة الرقابة القدرة على المزج بين الجهد البحثي العلمي، والنزول إلى الواقع للاطلاع على الواقع التطبيقي، حيث القاعدة الأصولية تقول: (الحكم على الشيء فرع عن تصوره).
6 - ينبغي أن يكون لأعضاء هيئات الرقابة لقاءات دورية لمناقشة المستجدات والفتاوى والأبحاث للمسائل الاقتصادية المعاصرة.
7 - ينبغي أن يكون هناك دعم أساس أو حكومي للمصارف الإسلامية لهيئات الرقابة الشرعية.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية