لم يعد سراً ما جرى يوم الجمعة الفائت من تجمعات وتظاهر لبعض من حسبوا أنفسهم على السعوديين الشيعة، ولا يهم ما أثير من شعارات أو مطالبات سواء كانت مطالب فئوية أو عامة، الذي يهم هو تفرد شيعة في هذه النشاطات، واستغلالها من بعض وسائل الإعلام المتحفزة مثل موقع (الجزيرة نت) التابع لقناة الجزيرة القطرية وحرصهم على إظهار ذلك في صورة احتقان طائفي، فمن يتابع موقع الجزيرة نت يشك في أن لديهم مقاصد مجملها يصب في تأجيج خلافات فئوية في كل مكان غير قطر وإيران، الأمر الذي يقود للظن أن هناك من يستغل حماس وسذاجة بعض الشبان لتمرير أجندات إقليمية تدعمها قوى غامضة الهدف. إن ما يحاك في هذا الخصوص هو محاولة الإيحاء بوجود طابور خامس فئوي يشعل فتيل عدم الاستقرار في المملكة، وهذا الإيحاء يصب ضرره في حوض السعوديين الشيعة عموماً، فمن يسعى لاحتسابهم أدوات في خلق وضع مقلق في شرق المملكة، هو عدوهم الأول الذي يجب أن ينتبهوا له، فليس في صالحهم أن تهدم جسور الثقة التي بنيت على مدى عقود من الزمن بينهم وبين محيطهم من إخوانهم أهل السنة.
التعبير عما في النفس من هموم وتطلعات هو طبيعة إنسانية، ويجب أن تتاح الفرصة لهذا التعبير حتى يكون صادقاً ومؤثراً في المتلقي وباعثاً للتعاطف، والتعبير يكون إما عن مطالب حقوقية أو حجة عقلية أو مشاعر غالبة ويكون بالغ الأثر في المتلقي إذا كان متفقاً مع درجة اهتمام المتلقي واستعداده العاطفي، ولا يستدعي التعبير الصادق من المتلقي الاتفاق التام أو التفاعل التام، بل إن ذلك التعبير يحتاج لتعزيزه عوامل أخرى سابقة للتعبير كالمصداقية والأهلية، ولاحقة كالمتابعة والتأصيل، تلك تجعل المتلقي يتفاعل بصورة تحقق كل أو بعض مطالب المُعبر، ولكن عندما يكون التعبير في صورة تجمع عارم وتظاهر صاخب تطرح خلاله المطالب بصوت عال ومتشنج فإن المتلقي لا يتعاطف معها بل إنها تحدث أثراً سلبياً، حيث يتلقاها على صورة ضغط وتهديد وجبر وإلزام ولا يرى في المتظاهر إلا شخصاً عدائياً ملتهب النفس لا يروم قناعة ولا جدالاً؛ فالمتظاهر المتشنج في نظره، لا يريد حلولاً وسطاً ولا تفاهماً، وإنما يريد أن يرضخ المتلقي لمطالبه بصورة قسرية، هذا التصوير لحال المتظاهر يجعل السلطة وهي المعنية بالمظاهرة لا تستجيب، بل لربما وتحت تأثير الخوف من الانفلات الأمني تقمع المتظاهر وتستبق ذلك بإجراءات قد تضر بحق المتظاهر في التعبير فيما بعد، فالتظاهر في جميع المجتمعات هو مظهر من مظاهر الاحتجاج واستخدام القوة الجماعية الصاخبة والمؤججة في إجبار السلطات على قبول مطالب خلافية، وحيث يلازم تلك التحركات الجماعية طبيعة فوضوية تميع بها المسؤولية الفردية للتصرفات، تنزلق معظم المظاهرات بسهولة لمواجهة عنيفة مع السلطة الشرعية مما يحتم على السلطة اعتبارها خروجاً على القانون يجب قمعه.
إن تفرد عدد محدود من الناس وتمثلهم مطالب فئوية اعتماداً على حق مزعوم بالتعبير عن عموم السعوديين الشيعة واختيارهم التظاهر الصاخب كوسيلة للتعبير، يضع مصالح السعوديين الشيعة في مخاطرة كبيرة، فبعد تحقيقهم خلال عقود من الزمن اقتراباً متميزاً من إخوانهم السنة وتمتعهم بمكتسبات اقتصادية واجتماعية لم تتحقق لأقليات أخرى حتى في بعض المجتمعات المتقدمة والديموقراطية، ثم يأتي من يحاول استخدامهم كحصان طروادة انطلاقاً من وحدة المذهب فقط دون وضع اعتبار لمستقبلهم المعيشي وكيانهم الوطني، هذا الغير لا يوفر لمواطنيه من نفس المذهب حرية التعبير السلمي ناهيك عن التظاهر الصاخب، وهذا الغير لا يهدف إلا لخلق قلاقل في هذه البلاد ولا يمانع أن يجعل وقودها السعوديين الشيعة إن استطاع، وهذا الغير لا يريد أن ينال السعوديون الشيعة استقراراً في بلدانهم فذاك لا يساهم في حشدهم لتحقيق مآربه، لذا لابد أن يكون بين السعوديين الشيعة من القيادات الدينية والاجتماعية والاقتصادية من يجب عليه أن يقف ويجهض هذا الاعتداء على تمثيلهم، وعليهم أن يقطعوا الطريق على من يدس بينهم في سبيل تأجيج خلاف مع إخوانهم السنة.
لاشك أن كل المواطنين لديهم مطالب لدى الدولة مهما كانت مذاهبهم وأينما كانوا في مناطق المملكة، هذه المطالب هي محور العلاقة الدائمة بين الدولة والشعب؛ فالشعب يريد مزيداً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومزيداً من مشاريع الخدمات ومزيداً من الأمن ومزيداً من الحرية في التعبير، ومزيداً من الاستقرار ومزيداً من العدالة، ولكن ذلك لا يعني أن الدولة لا تقوم بذلك ولكن سنة الحياة أن تكون مطالب الشعوب سابقة لتحقيقها، والدولة تجتهد وتستعمل أبناء المجتمع في أجهزتها التي تحقق مطالب المواطنين ومع ذلك الجهد يحدث تساهل وإهمال ونقص، ولكن الحوار يجب أن يستمر فالمطالب يجب أن يعبر عنها ضمن القنوات الأكثر تأثيراً والدولة لا بد أن تستمر في انتهاج مبدأ الشفافية والعمل على رفع كفاءة أجهزتها ومحاربة الفساد المالي والإداري، وليحمي الله الوطن والمواطنين ويجعل رباطهم الوثيق التلاحم في صورة شعب سعودي واحد.