|
انطلقت الجلسات العلمية لمؤتمر دور الجامعات العربية في تعزيز مبدأ الوسطية بين الشباب العربي أمس الأحد، الموافق 1 /4 /1432هـ، التي تستمر لمدة أربعة أيام، وتناقش ستة محاور عبر عشر جلسات علمية.
وترأس الجلسة الأولى ليوم الأحد معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وقررها الأستاذ الدكتور سليمان بن ضفيدع الرحيلي عميد كلية الآداب والعلوم. وقد تناول بحثٌ بعنوان (معالم الوسطية من منظور قرآني) للدكتور مصطفى بن صالح باجو من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة الجزائر، بيان معالَم الوسطية في القرآن الكريم، وخطر الخطأ في المفاهيم وأثره السلبي على سلوك الفرد وعلى العلاقات الإنسانية بصفة عامة، وكذلك مرتكزات الوسطية كما حددتها نصوص الوحي في الكتاب والسنة التي تتلخص في خمسة مرتكزات، تتمثل في الفَهْم الشمولي والسليم للإسلام، والتمييز بين معالم القطع والظن في الأحكام، وضبط قضية الولاء والبراء مفهومًا وممارسة، وتنمية الوعي بدور المسلم الداعية، واتصافه بسمات الناصح الأمين، وتمييز حدود الفرد.
كما تناول د. باجو دور المربي الناجح في ترسيخ الوسطية في النفوس، وكيف تجسد هذا المنهج في سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأسلوبه الحكيم في تنشئة الصحابة؛ فأثمرت هذه التربية نماذج عليا في الوسطية، تعددت وتنوعت مظاهرها المشرفة والمشرقة في سيرهم العطرة، بما جعلهم قدوة للأجيال اللاحقة.
المضامين التربوية للوسطية
عقب ذلك قدّم الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد من جامعة الملك خالد ورقة بعنوان (المضامين التربوية للوسطية في الإسلام ودور الجامعة في تحقيقها)، تناول فيها أبرز المضامين التربوية التي يمكن من خلالها تحقيق مبدأ الوسطية في الإسلام، وبيان دور الجامعة بوصفها إحدى أهم المؤسسات التربوية المجتمعية في تحقيق المضامين التربوية للوسطية في الإسلام، وطرح تصورًا عامًا للدور التربوي الذي يمكن للجامعة أن تقوم به في سبيل تحقيق المضامين التربوية للوسطية، وهو تصورٌ يمكن تناوله من ثلاثة أدوارٍ، هي: الدور التعليمي والتوعوي، الدور الوقائي، والدور التصحيحي (العلاجي).
ثم عرج د. أبو عرّاد إلى كيفية تحقيق تلك الأدوار من خلال قيام العناصر الأساسية في منظومة التعليم الجامعي بأدوارها المنوطة بها، وتتمثل هذه العناصر في كلٍّ من: الأستاذ الجامعي، المناهج والمُقررات الجامعية، الطالب الجامعي والأنشطة الطلابية الجامعية.
أما الدكتورة أسماء عبد المطلب بني يونس من جامعة اليرموك فأشارت من خلال ورقتها التي شاركت بها بعنوان (الأسباب الدافعة لبُعد الشباب عن الوسطية) إلى أن المجتمعات الحديثة تعاني جملة من التحديات، من أبرزها ظهور تيارات من الفكر المتطرف، تقابلها تيارات من الفكر المتحلل من جميع القيم الإنسانية؛ ما أدى بالمجتمعات التي ظهرت فيها موجات التطرف إلى فقدان الأمن الاجتماعي، وشيوع الجريمة المبنية على فكر مؤصل لها، وأدى بالمجتمعات التي غلبت عليها دعوات التحلل من القيم وتبني ثقافة الانحلال إلى انهيار في حياتها الاجتماعية المفتقرة إلى القيم وشيوع الأمراض.
وبيّنت د. أسماء أن العوامل المسببة للغلو والانحلال تتلخص في الأسباب الفكرية النظرية والأسباب الواقعية العملية التي ترجع في أصلها إلى قصور في فَهْم النصوص، وحملها على غير مقاصدها التشريعية، وترجع الأسباب العملية والواقعية للبُعد عن الوسطية إلى عوامل نفسية ترتبط بالبناء النفسي للإنسان المعاصر، وعوامل اجتماعية ترجع إلى أشكال التحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وغياب العدالة والموضوعية عن تنظيم العلاقات الإنسانية، وعوامل تربوية ترجع إلى قصور في الدور التربوي للمؤسسات التربوية المختلفة، وأولها الأسرة.
سمات الأستاذ الجامعي
من جانبه بيّن الدكتور كرم حلمي فرحات الأستاذ المشارك في جامعة قناة السويس في ورقته (سمات الأستاذ الجامعي المتسم بالوسطية) السمات الدينية للأستاذ الجامعي، منها أن يكون ربانياً فيما بينه وبين ربه - عز وجل - والاعتقاد الصحيح دون غلو أو تفريط، ودوام مراقبة الله - عز وجل - والمحافظة على شعائر الإسلام والإخلاص في القول والعمل، والتحرر من التعصب الديني، والإنصاف والعدل في الحكم بين النشء، والاعتزاز بالوطن والانتماء إليه.
وأشار د. فرحات إلى السمات الخُلُقية كالتحلي بمكارم الأخلاق، والصدق في القول وما يدعو إليه، وطلاقة الوجه في المعاملة مع الطلاب، والصبر على معاناة التعليم وتقريب المعلومات، وتوثيق الصلة مع الطلاب، والتنزه عن الأخلاق الرديئة، والسمات العلمية كالحرص على طلب العلم دوماً، والتزود بالعلم والمدارسة، وكثرة الاطلاع والبحث عن العلم والاشتغال بالتصنيف، والعمل بالعلم وفق المنهج النبوي، وصيانة العلم، واقتصار الأستاذ على ما يتقنه من العلم، والنطق بالحكمة والموعظة الحسنة، والموضوعية في البحث العلمي، والتفكير الناقد، والحوار المقنع مع الآخر، والوعي للمؤثرات والاتجاهات العالمية.
وأضاف د. فرحات بأن السمات التربوية للأستاذ الجامعي المتسم بالوسطية هي أن يكون متقناً لأساليب التعليم، والتهيؤ للدرس، وحسن التلطف في تفهيم الطلاب، والترغيب في تحصيل العلم، والقدرة على التوجيه المباشر وغير المباشر، واليقظة والمتابعة لأحوال الطلاب، وحسن المساواة بينهم والتواضع معهم، والتعامل معهم بروح الأبوة والأخوة.
تطبيق الوسطية
وقدمت الدكتورة هانم محمد عبده عوض من جامعة الملك خالد ورقة بعنوان (الوسطية في ضوء القرآن الكريم)، بيّنت من خلالها أهمية إحياء معنى الوسطية وتطبيقها بالفَهْم الصحيح لكل مظاهرها، وبيان المنهج الشرعي للوسطية، والتأصيل الشرعي لذكر الوسطية في القرآن والسنة وبعض مظاهرها التي أكد عليها القرآن الكريم والوسطية في مراعاة التوازن بين الجسد والروح، وأهمية مراعاة كل منهما، والوسطية في التوازن بين مطالب الدنيا والآخرة، والوسطية في النظرة إلى المال وفيما يتعلق بأحكام الأسرة والأخلاق وفي الدعوة إلى الله تعالى والعلاقة مع غير المسلمين، كما تحدثت الدكتورة هانم عن بعض وسائل القرآن في التربية على الوسطية.
الوسطية الفقهية
واختتمت الجلسة بورقة للدكتور عطية مختار عطية حسين من جامعة طيبة بعنوان (الوسطية الفقهية: ملامحها وضوابطها)، تناول فيها معنى الوسطية الفقهية، وهي أن يأتي الحكم الشرعي وسطاً بين الإفراط والتفريط؛ فالفقيه يجتهد في استنباط الحكم، ليأتي به على أفضل ما يكون، والممتثل يتحرى أن يكون امتثاله وسطاً؛ فلا يميل إلى التشدد، ولا ينحرف إلى التساهل والتهاون؛ لذا كان للوسطية الفقهية دور مهم وفعّال في ترشيد الاجتهاد في النوازل والمستجدات الفقهية المعاصرة واستنباط الحكم الشرعي الملائم لها المعبر عن مقاصد الشريعة الإسلامية.
وقال إن الوسطية الفقهية مؤصلة في الكتاب والسنة؛ فالإسلام دين الوسطية، وهي السمة الأصيلة البارزة في عقيدة الإسلام وعباداته ومعاملاته وأخلاقه. وأشار في ورقته إلى أن للوسطية الفقهية ملامح، منها الخيرية، وتعني أن التكاليف الشرعية هي الخير كله، وهي الأفضل للمكلف، وأن ما عداها لا خير فيه، واليسر ورفع الحرج والوسع في التكليف؛ فالشريعة مبناها على التيسير ورفع الحرج والمشقة، كما أن التكاليف الشرعية لا تستنفد كل طاقة المكلف؛ لأن الله أراد بهذه الأمة اليسر ولم يرد بها العسر، والملمح مراعاة اختلاف الناس بعضهم عن بعض؛ ففي بعض الحالات يراعي الشرع حال المخاطب، فيخاطبه بما يناسبه ويلائمه، كما أن الشرع يراعي أيضاً الأحوال المختلفة للأمة الإسلامية. كما ناقش عطية في ورقته الضوابط الفقهية للوسطية.
دلالة ومفهوم الوسطية
وترأس الجلسة الثانية الشيخ الدكتور عبد الباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب الحرم النبوي الشريف عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة، وقررها الدكتور منصور بن عبدالعزيز الحجيلي عميد التعليم الموازي والمستمر بجامعة طيبة. وقد تحدث في مستهل الجلسة الدكتور الحسين آية سعيد في ورقته حول (الوسطية في القرآن والسنة.. المصطلح والمفهوم)، وقال: إن الملة الإسلامية العادلة، والرسالة المحمدية الخاتمة، جاءت بأقوم المناهج في أحكامها، وأوسع الشمائل في أخلاقها، ومهدت السبل لاكتساب كل فضيلة، وتجنب كل رذيلة، وبنت ذلك على الوسطية، وحرس الشارع تلك الملاءمة من أن يحرفها المحرفون عن فطرة السنن، وفطرة النفوس، وفطرة الشرع إلى ما يشاكسها من الانحراف الفكري، أو السلوكي، اللذين يتضمنان الاعوجاج عن الصراط المستقيم.
وقال د. سعيد إن البحث في دلالة ومفهوم الوسطية يبرز بما لا يدع مجالاً للشك أن الاعتدال هو الذي يستطيع المرء أن يستمر ويثبت عليه، وهذا ما يسعى هذا البحث لتجليته وإظهار حقائقه وتفاصيله في أصل الموضوع.
ثم ألقى الدكتور عثمان جمعة ضميرية الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة ورقة تناولت (وسطيَّة الإسلام والأمّة المسلمة)، قال فيها: إن من أهم خصائص الإسلام أنه وسط في الملل، وتظهر هذه الوسطية في كل المجالات أو النواحي التي يشملها هذا الدين الذي جعله الله تعالى وسطاً بين الأديان في العقيدة، وفي العبادة، وفي التحليل والتحريم، وفي التشريع، وفي مجال السلوك والأخلاق، وفي منهج النظر والاستدلال، وفي أعمال الخير.
وأشار د. ضميرية إلى أن ملامح هذه الوسطية ومظاهرها في كل المستويات الفردية والأسرية والجماعية، في العبادات والمعاملات والأخلاق، وفي علاقة المسلم بربه وفي علاقته بالناس، وفي علاقة الأمة بغيرها من الأمم على أساس من الحق والخير والعدل، وأن معيار الوسطية يتحدد بكون الإنسان في دائرة المشروع: الخير والعدل، فإذا وقف المرء دون هذه الدائرة ولم يعمل فيها كان مقصراً مفرطاً، وإذا تجاوزها كان مُفْرِطاً مغالياً متطرِّفاً إلى الجهة الأخرى المذمومة.
تعزيز قيم الوسطية
ثم ألقى الدكتور إلياس بلكا الأستاذ المشارك بجامعة زايد ورقة عن (أهمية تدريس مادة الثقافة الإسلامية لمختلف الطلاب ودورها في تعزيز قيم الوسطية بينهم)، أكد فيها أهمية تدريس مادة الثقافة الإسلامية لجميع الطلاب في مختلف التخصصات؛ وذلك لأسباب غياب الوسطية لدى فئات واسعة من الشباب من خلال عدم توافر تربية دينية سليمة وثقافة إسلامية صحيحة؛ ما أدى إلى فراغ معرفي وتربوي يصبح معه فريسة سهلة لكل أنواع التطرف، بشقيه: الإسلامي والعلماني، وكلاهما ينمو ويقوى مع غياب الحدّ الأدنى من الوعي الديني السليم والمعرفة الحضارية بالإسلام وتاريخه وحاضره.
وأضاف د. بلكا بأن عدم الاهتمام الكافي بتدريس هذه المادة، أو تدريسها بمناهج قديمة متجاوزة، أو عدم تدريسها أصلاً، كما هو حال كثير من البلاد العربية والإسلامية، يساهم في انتشار المفهوم المعوج للدين، ويهيئ الشباب لتقبل الأفكار الخاطئة. مطالباً بأن تكون المادة إجبارية في جميع الجامعات وفي مختلف مراحل الدراسة.
من جانبها أفردت الدكتورة أحلام محمود علي مطالقة من الجامعة الأردنية في ورقتها (علاقة الأستاذ الجامعي بالطالب وأثرها في تعزيز الوسطية) عدداً من النقاط حول مفهوم الوسطية الذي لا يخرج عن الاعتدال والتوازن والخيرية والأفضلية، وأنه بمعنى التوسط المكاني بين رذيلتين أو نقيصتين أو شرَّين أو التوسط بين الجيد والرديء مفهوم بعيد عن المعنى الحقيقي لمفهوم الوسطية الذي يعني الأصح والأقوم والأفضل.
وذكرت د. مطالقة أن أنواع العلاقات بين الأستاذ الجامعي والطالب تتحدد في العلاقات الإنسانية الشخصية على أساس من الرحمة والشفقة والعدل والثقة والاحترام المتبادل التي من شأنها أن تفتح جسور التواصل بين الأستاذ والطالب، وتفتح آفاق المحبة والطمأنينة؛ ما يحقق التوازن الانفعالي والسلوكي والفكري، وهو من مظاهر المنهج الوسطي. مشيرة إلى أن العلاقات المهنية التدريسية القائمة على الحوارية والنقدية والإبداعية وحل المشكلات ومراعاة الفروق الفردية قادرة على إيجاد شخصيات تتمتع بالقدرة على تقبل آراء الآخرين والتفاعل معها، وهي قادرة على نقد انحرافات المجتمع والأفراد، تؤمن بالاعتراف بالآخر والتنوع على اختلاف أشكاله، والبحث والتقصي العميق والنقد الدقيق رائدها، ومطلبها الحق، بعيداً عن العدوان والاعتداء؛ ما يحقق التفاعل الإيجابي البنّاء والانسجام مع المجتمع والواقع بما يحقق خير الإسلام والإنسانية، وهذا هو منهج الوسطية الذي هو منهج الإسلام.