إنه الإسلام، الدين الذي لا يحتاج إلى لقب يسبقه أو مديح يتبعه، إنه اسم براق شامخ ومهيب، دين وعمق ومعنى وحياة، نعمة تتوارى أمامها النعم.
هو الضوء الذي لا يمكن تجاهله، والحق الذي يفرض نفسه.. إنه دين كتبه رب الناس وخالقهم فكيف يكتنفه خطأ أو يعتريه قصور!.
إلا أن بعض الداعين إليه شوهوا شكل الإسلام رغم روعة جماله وسحر مضمونه الذي يناسب كل زمان ومكان وإنسان، عن غير قصد منهم ودون علم ودراية بذلك.
فقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة أو مهنة جديدة تحت مسمى - داعي أو داعية - أناس أخذوا على عاتقهم مهمة دعوة مجتمعاتهم إلى الإسلام والتقرب إلى الله، ويقود غمار هذا الطريق المبارك ويسعى خلف هذا الهدف النبيل أشخاص جنّدوا أنفسهم وحياتهم وأوقاتهم لخدمة هذا الدين العظيم وجذب الآخرين له حين ثقفوا أنفسهم بالعلم الإسلامي الأكاديمي، أو عبر متابعة مستمرة وجهود حثيثة لمحاولة الإمساك ببعض أطراف هذا العلم الواسع بالقراءة ومتابعة المحاضرات وبرامج الدين المتصاعدة في عددها، فنجحوا حينًا وللأسف الشديد فشلوا أحيانًا أخرى حين لم يعوا أن الداعي الذي يجب أن يكون قدوة حية لأنه يمثل دينًا عظيمًا شامخًا مثل الإسلام يجب أن يكون بحجم هذا التمثيل وبمستوى لائق له في المظهر والمضمون.
فقولوا لي أرجوكم كيف يقبل من هم على غير ديننا وعقيدتنا الإسلام ممن احترفت أفواههم فن الزعيق والصراخ في خطاباتهم وأحاديثهم؟ حين آمنوا بأنه كل ما ارتفع الصوت تصاعدت بارتفاعه لغة المنطق والقدرة على الإقناع! فأين هم عن قول الله جل جلاله: ?وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ?؟!
بل كيف نحترم داعية وهي لم تحترم من كانت أمامها حين همشت رأي السائلة، وقزّمت أفكارها وتعاملت بفوقية مزعجة مع أسئلتها الحائرة الضائعة، وتعاملت معها بحدة من منطلق من يعتقد أنه وحده من يملك مفاتيح الحق والحقيقة وكل من أمامه جاهل ساذج وأميّ!
علموني كيف نأخذ علوم الدين ممن ليس لديها أدنى معايير فن التواصل مع الآخر والاستماع له، فهموني كيف نجالس بحب وارتياح من لم تولي نظافتها الشخصية أي اهتمام واعتبار بل اعتبرت ذلك من إغراءات الدنيا الفانية، وظنت أن مظهرها الرث عباءتها المغبرة زهدًا وتقربًا إلى الله!
لم يعد جيل اليوم ساذجًا ليعتقد أن الداعين إلى الله هم رسل مطهرون معصومون عن الخطأ، لا يأتيهم الباطل من أمامهم أو من خلفهم، ولم يعد المجتمع يقبل أن يأتي من يفرض رأيه فرضًا دون أن يقبل بمبدأ أن يناقشه الآخر فيجادله بالتي هي أحسن، فقد تنوّر شباب هذا العصر، وأصبح العلم والرأي والمعرفة بمتناول الجميع، وأصبح الزمن والتاريخ يلفظ من يتوقف عن النمو والانفتاح على الآراء.
الفضاء أصبح مفتوحًا على مصراعيه، وأصبح الناس أمام نخبة رائعة من العلماء والدعاة الذين استوعبوا أن الدعوة ليست مجرد علم شرعي وفم نتكلم به، بل أيضاً حضور وكاريزما ومهارات في فن التواصل والحوار والاستماع والطرح، وأصبح الإبداع والابتكار ومواكبة كل جديد مطلب ملح في أساليب الدعوة إلى الإسلام والبرامج الدينية التي أعطت الإبداع والابتكار والتجدد في فن أساليب الطرح كل الاهتمام وسلطت الضوء على مواضيع تواكب الزمن وتلامس قضايا الشباب المسلم.
أخيرًا.. لنا في سيد الخلق ومعلمهم الأول نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أسوة وقدوة، فهو من كان نبيًا عظيمًا ومعلمًا متواضعًا وأبًا رحيمًا وصديقًا وقائدًا ومتحدثًا لا يشق له غبار، كما كان مستمعًا وصاحب شخصية قيادية ملهمة فكان فعلاً بحجم تمثيل دين سماوي بارع بكل المقاييس، والله من وراء القصد.
نبض الضمير: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).