لازلت أبحث عن إجابة عن سبب ربط توصيات المؤتمر العالمي الثالث في الأحساء بدعوة تغيير فتوى نزع الأجهزة عن المرضى المتوفين دماغياً، برغم عدم تطرق الأبحاث المقدمة في المؤتمر لذلك، وبرغم أنه لم يصدر عن أي مؤتمر قلب عالمي آخر في العالم أي دعوة لوقف نزع الأجهزة عن المتوفى دماغياً..، لكنني أستطيع أن أقدم تأكيداً أن علماء المؤتمر في الأحساء لم يتفقوا على وقف نزع الأجهزة عن المتوفى دماغياً لحجة أن العقل والوعي والفكر يرتبط بالقلب.
خلاصة الأمر أيها السادة القراء أن في المؤتمر العالمي الثالث للقلب في الأحساء قدم عالماً في أبحاث القلب اسمه الدكتور رولين مكراتي ورقة بحث عن وجود خلايا عصبية في القلب مشابهة لتلك الموجودة في الدماغ، وأن وجود تلك الخلايا العصبية في القلب أدى إلى استحداث مجال جديد يدعى علم القلب العصبي، أو ما يُصطلح عليه باللغة العربية بالمخ القلبي، ونصت توصيات المؤتمر في التوصية رقم 7 على نتائج علمية لها علاقة بذلك، ولم تنص محاضرات الدكتور مكراتي أو التوصيات على إعادة الموقف من معايير الموت الدماغي المتعارف عليها، أو على أن العقل والتفكير والإيمان محلها جهاز القلب، ولم يدعو العلماء إلى إعادة الفتوى في فصل الأجهزة..، ولقد أعدت قراءة التوصيات، ولم أقرأ فيها ما ينص على ذلك..
كما نفى الدكتور رولين مكارتي في اتصال معه علمه بما تناولته وسائل الإعلام، وقال في رد على حملة تغيير الموقف الشرعي من الموت الدماغي، أنه ليس على علم بأي حملة ضد قانونية الموت الدماغي، وأكد أن التوصيات أو البيان الرسمي من المؤتمر لا تتفق مع ما تم تداوله في الإعلام.
ما تم طرحه في المؤتمر كان في حقيقة الأمر أبحاثا علمية لم تكن محصورة على وجود علاقة عصبية متزامنة بين القلب والدماغ فقط، وعلاقة الدماغ بالأعضاء ليس حكراً على القلب، فالمعدة والأمعاء أيضاً تم اكتشاف خلايا عصبيه فيها، وتقدر بأكثر من 100 مليار خلية، وقد أطلق الدكتور مايكل غيرشون رئيس قسم التشريح وبيولوجيا الخلية في جامعة كولومبيا في نيويورك على المعدة والأمعاء بالمخ الثاني في كتاب الدماغ الثاني الصادر عام 1999م، وقد كتب أدم هادزاي في المجلة الأميركية العلمية في 12 فبراير 2010م، مقالاً بعنوان «فكر مرتين» عن أن الأمعاء بمثابة الدماغ الثاني، نظراً لما لها من تأثير على المزاج والشعور العام، وأن وظيفة المعدة تتجاوز مجرد هضم الطعام.
كذلك شيئاً مثل ذلك تم اكتشافه في علاقة الجلد بالدماغ، فقد درس الباحث يوسيبوفيتش وزملاؤه آثار الحكة على الدماغ، وقد ظهر للباحث أن بعض مواضع الدماغ تنشط، وبعضها يقل نشاطه أثناء الحكة الجلدية، والتي قد تؤدي إلى تغيير الشعور العام وتحسن المزاج وتخفف من التوتر، وقد كتب أحدهم مقالاً على ذلك الاكتشاف، بعنوان « حك جلدك يتحسن دماغك»، ونستطيع القول أمام تلك الاكتشافات أننا أمام نتائج أبحاث علمية ليس لها علاقة بنفي وجود العقل في الدماغ..
أثبتت الاكتشافات العملية بما لا يدعو للشك أن هناك علاقة متزامنة ومتواصلة بين الدماغ ومختلف أجهزة الجسم، ولم تستخدم تلك النتائج في أي مكان في العالم في إلغاء قانونية الموت الدماغي، والذي لا زال شرعيا في جميع أنحاء العالم..، وتتفق مختلف الدراسات العصبية والنفسية أن مختلف أنماط التفكير والإيمان والوعي محورها الدماغ، وقد تم تحديد أماكن محددة في المخ لتلك الوظائف..، وأصبح في حكم الثابت أن الإنسان يحتفظ بوعيه وأفكاره بعد زراعة القلب أو الكبد أو الكلية أو البنكرياس، كما أنه لا يتغير إذا تم استئصال جزء من معدته.
الموت الدماغي يعني وفاة الإنسان، ويتم تشخيصه من خلال تطبيق معايير سريرية ثابتة وأدلة كهربائية قطعية، وفي حالة خلو الدماغ من أي إشارات حيوية في حالة عدم وجود مؤثرات ومتغيرات كيميائية، يعتبر الإنسان شرعياً متوفى، ولم يحدث في تاريخ الطب أن عاد للحياة متوفى دماغياً، ويختلف ذلك عن المعتل دماغياً، والذي عادة ما يكون في غيبوبة تامة في ظل وجود إشارات سريرية وكهربائية حيوية..، لذلك نطالب وزارة الصحة أن تتبنى معايير ثابتة للموت الدماغي، وأن يتم تطبيقها قانونيا في مختلف مستشفيات المملكة، وأن لا يترك الأمر للاجتهادات الشخصية.