فاصلة:
(الفهم: التفكير، وإدراك الأشياء على حقيقتها)
- حكمةعربية -
عندما تعيش بعيدًا عن بلدك فإنك تتعرف على نفسك أكثر من خلال تعاملك مع الآخرين، وتدرك إلى أي مدى وصلت ثقافة الإنسان وثقافة بلده وسلوكه.
يلفت نظري في تعاملي مع البريطانيين احترامهم لخصوصية الإنسان وعدم طرح الأسئلة لمجرد معرفة معلومات عن حياة الشخص وتفاصيل حياته، بينما الثقافة العربية تعنى بالتفاصيل الدقيقة في كل شيء؛ فإذا قابلت عربيًا أو طالبًا سعوديًا فلا يمكن أن تخلو المحادثة من أسئلة استطلاعية مثل: عدد أفراد أسرتك، وهل تسكن بمفردك أم مع أسرتك، وكم هو إيجار المنزل الذي تسكنه. أما البريطاني فالمحادثة العابرة معه دائمًا ما تكون عامة حتى لو حاولت أن تتحدث عن خصوصياتك فهو ينصت باهتمام، لكنه أبدًا لا يبادر بالأسئلة عن التفاصيل.
وإذا ركبت سيارة أجرة لتنتقل بك من مكان إلى آخر، فإن لم يكن السائق صامتًا فغالبًا ستكون أسئلة المسلمين من باكستان أو الصومال عن إيجار منزلك، وسبب وجودك في بريطانيا، بينما أن تحدث السائق الأجنبي سواء كان بريطانيًا أو من أي بلد آخر أجنبي فإن الأسئلة عادة ما تكون عن هويتك، وسيكون حديثه واستفسارته عن السياسة في بلدك، وإذا كنت امرأة، فإن من الأمور المغرية بالحديث حتمًا قضايا المرأة، لكن الأجنبي يحترم تفضيلك الصمت ولا يحدثك إذا ما بادرت منذ دخولك سيارة الأجرة بلبس سماعة آلة التسجيل الصغيرة في أذنك.
هذا الفضول أو حب الاستطلاع هو جزء من ثقافة عربية لا تستطيع أن تنفصل عنها إلا إذا وعيت هذا الخلل في التعامل مع الآخر، وتأملت في أسئلتك التي تطرحها على الآخرين وما وقعها عليك إذا طرحها الآخر وحاول اقتحام حياتك الخاصة.
أحيانًا يبدو جزء من مشكلتنا أننا لا نضع أنفسنا مكان الآخر مطلقًا، وبالتالي لا نترك لعقلنا فرصة التفكير بحيادية.
العلاقات الإنسانية العابرة ليست مجرد حوارات بسيطة، إنها تمثل وجهنا الحقيقي في أبجدية احترامنا للآخر وخصوصية حياته.