|
كثيراً ما أتلقى أسئلة على الهاتف، يتحول خلالها السؤال إلى رواية تتحدث عن قصة السائل مع المرض وصراعه مع العيادات، مع تفاصيل جانبية موسعة لا تصل بنا إلى صلب السؤال المطلوب، ويتوقف السائل بعد أن يكون قد استهلك دقائق ثمينة من وقتي ووقته دون أن أعرف بالتحديد جوهر السؤال الذي يبحث عن إجابته، ولكنني لا زلت أتذكر بإعجاب سؤال بليغ من مريض حكيم ابتلي بمرض القرنية المخروطية.. «هل بالإمكان في عجالة أن تجيبني عن دور زراعة الحلقات في علاج هذا المرض؟». ولعلي أبدأ معكم هذا المقال الموسع عن هذا الموضوع بهذا الجواب..» تركيب الحلقات باستخدام الليزر هو علاج فعال لمرضى القرنية المخروطية المتوسطة»، وبلغة الإعلاميين كان هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل.
إذاً.. دعونا نتعرف على أركان المقال الثلاثة.. القرنية المخروطية، والليزر، والحلقات لكي نخرج بعد ذلك بتوصيات ونصائح محددة تفيد مرضانا.
أولاً: القرنية المخروطية.. رحلة من الكروي إلى البيضاوي
القرنية المخروطية مرض يبدأ عند البلوغ ويتوقف بعد الأربعين، حيث يؤدي ضعف أنسجة القرنية إلى خمسة تغيرات رئيسية.. التغير الأول هو التغير في مقاس القرنية (ينتج عنه تغير في القوة الانكسارية للعين (Refractive Error) وبالتالي نقص في حدة الإبصار Reduced Visual Acuity)، والتغير الثاني هو تغير في انتظام القرنية وتحولها من قرنية كروية منتظمة إلى قرنية بيضاوية (مخروطية) غير منتظمة، مما ينتج عنه نقص في جودة الرؤية (Reduced Visual Quality)، والتغير الثالث هو عدم استقرار النقص بسبب تسارع المرض مع مرور الوقت (Progression)، والتغير الرابع هو حدوث فروق بين العينين لأن المرض في الغالب لا يكون بدرجة متساوية (Anisometropia)، وأخيراً التغير الخامس وهو حدوث عتامات في القرنية (Corneal Scarring) تؤدي إلى نقص شديد في الرؤية وهي المرحلة الأخيرة من مراحل المرض.
إذاً.. فنحن أمام مرض متعدد الجوانب وليس من الإنصاف الاعتقاد بأن هناك حلاً واحداً قادراً على مواجهة كل هذه المشاكل.. ولذلك ينقسم مرض المخروطية إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
1- قرنية مخروطية مبكرة.. فيها المريض ما زال يتمتع بنظر جيد باستخدام النظارة، وهنا لا داعي لاستخدام الحلقات.
2- قرنية مخروطية متوسطة.. فيها المريض يعاني من جودة النظر مع استخدام النظارات، ولكن المريض لم يتقدم بدرجة كبيرة تُحدث عتامات في القرنية، أو تحدب شديد (أكثر من 55 درجة).
3- قرنية مخروطية متقدمة.. وهنا المريض بالإضافة إلى أنه لا يتمتع بجودة نظر حتى مع استخدام النظارات فإنه يعاني أيضاً من ارتفاع في تحدب العين وترقق شديد وكبر مساحة التمخرط لتشمل جزء كبير من القرنية وبالذات مركز القرنية، وهذا النوع من المرض تجاوز مرحلة تركيب الحلقات ويحتاج إلى حلول أخرى تحل مشكلته.
ثانياً: الليزر
يقوم جهاز ليزر الفيمتوثانية بإطلاق نبضة ليزر صغيرة جداً بمقدار لا يتعدى عدة مايكرونات وذلك من أشعة الليزر تحت الحمراء ولمدة قصيرة جداً بمقدار فيمتوثانية (واحد على مليون مليار جزء من الثانية)، ورغم قوة طاقة نبضة الليزر تلك إلا أن تسليطها داخل القرنية لهذه المدة القصيرة يجعلها تتحول إلى فقاعة دقيقة تقوم بفصل الأنسجة عن بعضها البعض دون أن تحدث أية أضرار للأنسجة المجاورة. ولذلك نستطيع أن نستخدم الليزر في إجراء حفر داخل القرنية دون المساس بالسطح وبدقة متناهية، ومن المعروف أنه كلما تم تركيب الحلقات بعمق أكبر كانت النتيجة أفضل، لقد مكنت أجهزة الليزر أطباء العيون من وضع هذه الحلقات في أكبر عمق ممكن داخل القرنية وبدقة كبيرة بعيدة عن التخمين والتقدير اليدوي.
ثالثاً: حلقات القرنية
تصنع الحلقات من مادة صلبة تسمى اختصاراً بي إم إم إيه (P.M.M.A) وهي تصنع على شكل قوس أقل بقليل من القوس الكامل، وتأتي بعدة مقاسات، وتتخلص فكرة الحلقات بأن زراعتها داخل القرنية يؤدي إلى تغيير درجة تقوس القرنية وتحسين في انتظامها ينتج عنه تحسن في مستوى الرؤية. ومن المهم أن تتناقش مع طبيبك المعالج عن نوع الحلقات المستخدمة، فهناك حلقات ذات قطر صغير (5 ملم) - حلقات كيرا رنق (kera-ring)- وهي فعالة أكثر بكثير من الحلقات ذات القطر الكبير (7 ملم) - حلقات الإنتاكس (Intacs).. إذا عرفنا الأركان الثلاثة لعملية تركيب الحلقات، يمكن أن نخرج بالتوصيات التالية:
1- الحلقات حلٌّ فعّال
تستخدم الحلقات أساساً لإعادة انتظام القرنية مرة أخرى أو على الأقل تقليل عدم الانتظام، بالطبع هناك مكاسب إضافية تحدث عندما تنتظم القرنية، فحدة الإبصار تتحسن نظراً لتغير مقاس القرنية واقترابه من المقاس الطبيعي، والحلقة نفسها قد تساعد على إبطاء أو ربما توقف المرض ولكن يبقى الهدف الأساسي من استخدام الحلقات هو إعادة انتظام القرنية، لأن هناك احتمالاً يصل إلى 75% أن تكون راضياً عن عملية تركيب الحلقات إذا كانت المخروطية متوسطة وتم تركيب حلقات (كيرا رنج) باستخدام الليزر.
2- الحلقات حلٌّ آمن
الحلقات حلٌّ آمن، مضاره محدودة وإمكانية العودة إلى الوضع السابق بإزالة الحلقات متاحة، فعملية زراعة الحلقات خصوصا باستخدام الليزر لا ينتج عنها مضاعفات خطيرة تؤدي إلى فقدان البصر بالرغم من أنه يصعب في كثير من الأحيان التنبؤ بالمكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال زراعة الحلقات إلا أن الأضرار الخطيرة نادرة جداً.
3- الحلقات قد لا توقف المرض
تركيب الحلقات قد يوقف أو على الأقل يبطئ من تسارع القرنية المخروطية، ولكن كما أسلفنا ليس من الإنصاف أن نتوقع من حل واحد لعلاج كل المشاكل التي تنتج عن المخروطية، فالحلقات وبالذات عندما تجرى مبكراً قبل تفاقم المرض تقلص من المقاس والاضطراب الذي يحدث بسبب المرض وتؤدي إلى تحسن في مستوى وجودة الرؤية، ولكن إذا بدأ المرض بالتسارع مرة أخرى فيمكن إيقافه بوسائل أخرى.. لعل أهمها هو العلاج الضوئي الكيميائي (كروس لينكنق).
4- كن واقعياً
تركيب الحلقات ليس عملية ليزك للتخلص من النظارات، فمريض الحلقات قد يحتاج إلى لبس النظارات أو العدسات، ومريض الحلقات قد يعاني من جودة في الرؤية (صفاء الرؤية) حتى بعد عملية تركيب الحلقات ولكن بصورة أقل مما قبل التركيب.
5- هل أنت المريض المناسب؟
يجب أن تكون درجة تحدب القرنية أقل من (55 درجة)، ودرجة قصر النظر (أقل من ثماني درجات)، ودرجة الانحراف (أقل من ست درجات)، ودرجة الانحراف غير المنتظم (أقل من 4 مليمترات)، مع صفاء القرنية وخلوها من عتامات نتيجة المرض، وسماكة القرنية (أكثر من 400 مايكرون) وخلوها من ترقق شديد في بعض أجزائها، وموقع التمخرط وحجمه بعيد عن مركز القرنية (كلما كان قريباً من منتصف القرنية كلما انخفضت نسبة نجاح العملية). فكل هذه العوامل يجب دراستها لمعرفة هل أنت المريض المثالي لهذا النوع من العمليات من عدمه.
6- لست وحيداً
عملية تركيب الحلقات ليست عملية نادرة أو قليلة الحدوث، إنها أحد الركائز الأساسية المستخدمة لعلاج القرنية المخروطية، وقد تم إجراء أكثر من خمسة آلاف عملية خلال العام الماضي (2010م) في منطقتنا العربية.
ولعلنا نختم مقالنا بما بدأنا به.. تركيب الحلقات باستخدام الليزر هو علاج فعال لمرضى القرنية المخروطية المتوسطة. وللتواصل مع الكاتب بالبريد الإليكتروني wst2011@yahoo.com أو إرسال رسالة فقط على الجوال: (05054641000).
* استشاري أول طب وجراحة العيون