المنطقة اليوم ملتهبة ومتأججة وأيضاً مستهدفة وهناك منظمات معادية تتربص بالمنطقة الدوائر وعلينا أن نراجع في أنفسنا وأن نقوم بإصلاحات كبيرة على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول فالأزمات والأحداث التي تتزاحم على المنطقة لابد أن تحدث ردة فعل وستكون ردة فعلها على شبابنا أقوى، فلابد من توعيتهم والاقتراب منهم وحل الكثير من مشاكلهم.. وينبغي أن يقوم علماء الدين بدورهم والمثقفون والمفكرون وكذلك الإعلام بدوره في توعية الشباب بأن الانتحار ليس من شرعنا وأنه محرم وقتل وإزهاق روح واعتداء على نفس هي ليست ملكاً للشخص {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه) رواه مسلم. وروى أبو هريرة قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً، فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) ولذلك الرجل الذي جاهد في معركة مع الصحابة وقتل عدداً كثيراً من المشركين ولما لم يصبر على آلام جراحه قتل نفسه فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في النار. وأما ما حدث في الجزائر فرغم الضغوط التي مر بها بوعزيزي وأنها ظروف قاسية إلا أن فعله لا يبرر والغاية لا تبرر الوسيلة مهما كانت الغاية شريفة لأنه تجلى على نفسه واعتدى عليها ولا يجوز أن يطلق عليه شهيد مهما كان تعاطفنا معه والمؤمن مطالب بالصبر مهما كانت الظروف وهو على خير، قال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له) رواه مسلم.
لا تحرق نفسك فلا نريد مزيداً من الاحتراق وهذا ليس من شريعتنا وغريب على أرضنا.. لا تحرق نفسك واحرق طاقتك في سبيل التغلب على مشاكلك والنهوض بأمتك ومجتمعك.. لا تحرق نفسك فأنت لم تخلق لتحترق وإنما خلقت لتتعبد وتعمل وننجز والحياة طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأكدار.
أنت خلق متفرد عجيب أبدع الله في صنعك وأسجد لآدم ملائكته فخلقك متفرد وروحك مقدسة هي ليست لك ولا يجوز أن تعتدي عليها وإن فعلت فمصيرك إلى نهاية مؤسفة إلى نار تلظى {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}.
لا تحرق نفسك واصبر واحتسب وإن مرت عليك ظروف قاهرة قاسية صعبة فاصبر والصبر ضياء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم، وأرضى بقدر الله فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك والليل بعده نهار يجليه والظلام لابد له من نور يبدده وسحابة الهموم رغم ثقلها وشدة ألمها إلا أنها سريعاً ما تنقشع وتذهب وتزول.
فلا تحرق نفسك أكررها وأعيدها فأنت نسيج وحدك فريد خلقك عجيب تصويرك اختزن الله فيك مواهب وطاقات لو استنطقتها لملأت الأرض نوراً وخيراً.. فهل نفسك رخيصة لهذه الدرجة؟ ألا تعلم أن لك قيمة ومنزلة عند خالقك وأنه يرقبك ويرعاك {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فأنت تحت نظر الله {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}.
والدنيا زهيدة وأيامها قليلة فإن خسرتها فاكسب الآخرة واجعل من همك وألمك فرصة للتقرب من الله والتزود من الخير وأيضاً مراجعة نفسك (وأن ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ومحاولة إصلاح نفسك وأن تبدأ بتغييرها إلى الأفضل {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
لا تحرق نفسك ودع طاقاتك ومواهبك تحترق في العمل والصبر والإنتاج.. وأخيراً فعلى المسؤولين في سائر الوطن العربي أن يبحثوا الأسباب وأن يحرصوا على معالجة مسبباتها وأن يعالجوا الكثير من المشاكل التي يعاني منها وطننا العربي مثل الفقر والبطالة والكبت والاضطهاد.. إلخ وأن يجعلوا بلداننا أرضاً خصبة للإبداع والانتاج والإنجاز لا للفقر والتخلف والكبت والاحتراق.