في 1-2-1428 هـ صدر عن مجلس الوزراء قرار حمل الرقم (43) جاء فيه: (الموافقة على الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد وذلك بالصيغة المرفقة).. وبين يدي الآن هذه الإستراتيجية، التي تمت صياغتها من قبل (هيئة الخبراء بمجلس الوزراء)، وقد اشتملت على مقدمة، ثم المنطلقات، فالأهداف، والوسائل، وفي النهاية الآليات. غير أن هذه الإستراتيجية بقيت دون أن تفعل؛ أي بمعنى أدق حبرا على ورق حتى الآن للأسف الشديد. وكنت قد كتبت وكتب غيري عن اضطلاع شركتين بجميع أعمال الإنشاء والتعمير في المملكة، و(استئثارها) بجميع العقود التي وصلت في مجموعها إلى أرقام فلكية، رغم أن هاتين الشركتين تعتبران ضمن الشركات الخاصة، يملكها أفراد معدودين. وأشرت إلى أن احتكار هاتين الشركتين لأغلب المشاريع الإنشائية الكبرى فيه (فساد) بكل المقاييس؛ فمثل هذا الاحتكار خلق طبقة (طحلبية) أصبحت تحتكر المشاريع، وتتحكم في توزيعها على مقاولي الباطن، من الأقارب والمحاسيب، أو ممن يحملون جنسية بلد معين دون غيرهم. تسأل: طيب ليش؟، فلا تجد إلا القول إن هاتين الشركتين مؤهلتان، وليس ثمة غيرهما تستطيع أن تضطلع بهذه المشاريع العملاقة؛ هذا ما هو معلن، أما ما هو متداول في المجالس الخاصة فهناك من الشائعات والحكايات بل والاتهامات، ما يجعل القضية يدور حولها ألف سؤال وسؤال؛ وإلا فهل يعقل أن تحتكر شركتان إنشائيتان كل مشاريع بلد في حجم المملكة وتظل (شركات خاصة)، لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها؟
وكان من ضمن الحلول التي تمّ طرحها أن يتم تحويل هاتين الشركتين إلى (شركة مساهمة)، بعد أن يتم ضبط أصولها، بحيث لا يكون تحويلها إلى شركات مساهمة وسيلة للإثراء غير المشروع من خلال المبالغة في أسعار الأصول؛ ونكون بتحويلها إلى شركات مساهمة - وهذا بيت القصيد- قد ساهمنا في تكريس الشفافية، ومحاصرة الفساد؛ فلا تتم الصفقات في (غرف مغلقه) دون حسيب أو رقيب، لا يعلم إلا الله ماذا يدور فيها؛ وكذلك نضمن بذلك أن يتولى إدارتها سعوديون بدلاً من الأجانب الذين يطبقون على مفاصل القرار الإداري فيها، فيوجهونه إلى أبناء جلدتهم، سواء من حيث توظيف العاملين، أو ترسية بعض الأعمال الجزئية على مقاولي الباطن، ويُحرم السعوديون منها، بينما الواجب أن يقدموا على غيرهم.
والسؤال الذي طرحته وطرحه غيري، وما يزال مطروحاً حتى الآن: لماذا الإصرار على بقاء هاتين الشركتين تتحكم في مشاريع الإنشاء العملاقة، ولا يتم (فرض) أن تتحول إلى شركة مساهمة، مثلما فرضت السلطات في المملكة على شركة الراجحي للصرافة وغيرها من البنوك أن تتحول إلى شركة مساهمة عندما وجدت الدولة أن (المصلحة العامة) تتطلب ذلك؟
كما يجب أن نلغي من قواميس المشتريات الحكومية (تماماً) ترسية مشاريع الدولة الكبرى من خلال (التعميد المباشر)، أو قصرها على مقاول أو مقاولين دون سواهما؛ فمن خلال هذه الممارسات يلج الفساد وتُنتهك النزاهة. لذلك فيجب أن يتم ترسية المشاريع (فقط) من خلال المناقصات المفتوحة المعلن عنها في وسائل الإعلام، بعد تأهيل المقاولين، والتأكد من قدرتهم الفنية والمالية على تنفيذ هذه المشاريع، وكذلك من المصلحة، ومنعاً للاحتكار، أن تمكن الشركات العالمية الكبرى (غير السعودية) من الدخول إلى سوق المقاولات الإنشائية. كما يجب - أيضاً - أن نشجع إنشاء شركات مساهمة كبرى إضافة إلى هاتين الشركتين، فالسوق يحتمل والمنافسة سوف تفضي إلى مستويات عالية من الجودة في التنفيذ وبأسعار معقولة وغير مبالغ فيها، والمصلحة تتطلب ذلك.. وما من شك أن هذه (الحزمة) من القرارات والإجراءات فيما لو تم وضعها موضع التنفيذ، ستصب في المصلحة العامة أولاً، وثانياً في حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
إلى اللقاء.