أغلب جمهورياتنا العربية قامت - وحسب بيانها الأول - على (بأنها ما جاءت إلا لتخليص (البلاد والعباد) من الظلم والفساد).. ووعدت الجماهير بالخير الوفير والعهد المنير وتقرير المصير.. وحينما تربعت على كراسي الحكم ساقت الجماهير مرغمة للهتاف والهياف وحماية الثورة من المندسين والمدلّسين. ومحق وسحق أعدائها ومحاكمة المختلسين ووعدت بالثراء للفقراء والمفلسين، وتحقيق الوحدة وتحرير فلسطين(!!)
وحينما استقرت - أي الثورة - استمرت بإصدار القرارات تباعاً (دلو ماء ودلو طين) وكلما صدر قرار من هذا النوع (دلقت) الغوغاء والدهماء والديماغوجيين و (المؤدلجين) في شوارع العواصم لتجميد تلك القرارات الثورية النارية التي تعد بتوفير الخبز والحرية وزرع البحر بالأزهار البرية، وتعاظمت وتفاقمت أجهزتها السرية، و(شفطت) المساعدات. و(لهطت) الصادرات والواردات وأشادت السجون، وأشاعت المجون وسلطت على الناس السفيه والمجنون، وعملوا بالشعب (نون وما لا تعلمون) وشوهو الثقافة والآداب والفنون وأصدروا قرارات لتثبيت زعمائهم في الحكم إلى يوم يبعثون!! فتحول الشعب الثائر - سابقاً - إلى قطيع يؤمر مجبراً فيطيع، وهكذا سارت الأمور ونسي الناس الحكم المقبور، ونسي الحاكم الثوري الناس وأصبح همه ملء الحقائب والأكياس، وعم البلاد الفقر والجوع والقحط واليباس، وغدا الشعب المسكين ك(طابخ الفاس) و(أصبح الذنب راس) واختلط (حباس مع عباس) و (الحوى مع البسباس)، بينما أمور الحاشية هي التي (وحدها ماشية) وأما بالنسبة للتقارير التي ترفع للحاكم الذي تحول من جندي إلى مشير ومن مشير إلى أمير ومن اميرالي (أمبرطير) أقول إن تلك التقارير تشير إلى أن الشعب بألف خير يلبس (الدمقس) والحرير ويأكل المن والسلوى - لأ الهمّ والبلوى- والتبن والشعير (!!)وهكذا نام الحاكم (الامبرطير) مطمئناً وهانئاً وقال له خادمه الأثير، وقبل أن نغلق الباب عليه تصبح يا مولاي على خير.
وفي الصباح لم يصبح الامبراطور والدكتاتور على خير؛ لأن كل الجماهير تلك التي هتفت إليه في بدء عهده المنير قد أصبحت تطوق القصر الكبير (هاتفه) عليه لا إليه: ارحل ارحل يا أيها الطاغية الحقير!!
بينما كانت حاملات الطائرات والباخرات ترابط على سواحل الوطن تحمل (الشر والشرير) والعلقم والقمطرير وسوء المصير لتغرف خير البلاد الوفير دونما أي رقيب أو خفير (!!).