موقف الكاتب الإسباني خوان جويتيسولو، جاء قبل أكثر من عام، حينما رفض جائزة القذافي العالمية للأدب، التي تمنح للأدباء الذين يخوضون معركة الكتابة من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية، وقيمة هذه الجائزة 150 ألف يورو. وجهة نظر خوان جويتيسولو أنه من الصعب قبوله لجائزة من شخص بعيد كل البعد عن القيم الإنسانية حيث إنه من الأساس حصل على حكم ليبيا عن طريق انقلاب عسكري سنة 1969م.
وفي موقف ثقافي آخر، صحيح قد يكون جاء متأخرًا، لكن أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي، فقد سجل المفكر المصري د. جابر عصفور، موقفه من المجازر التي تُرتكب بحق الشعب الليبي برفضه نفس الجائزة والتي كان قد حصل عليها العام الماضي.
إن الحركة الأدبية، لا يمكن أن تنفصل بأي حال من الأحوال عن الحالة السياسية، وإن اختلف معي بعض المثقفين في هذا، حيث يرى البعض أن الأدب هو جزء مستقل عن السياسة، وأحيانًا يرى البعض انفصاله عن المجتمع، وأصحاب هذه الرؤية يعتمدون على أن الحياة الاجتماعية - تحديدًا - لا ينبغي أن تدخل في الأعمال الأدبية، وهذا غير صحيح وإن خرج هؤلاء بمقابلات صحافية رنانة، أو مقالات ذات عناوين براقة، لكننا في النهاية نتاج مجتمع فيما نعيش وفيما نكتب قصة، أو رواية، أو شعرًا.
وقد عايشت مثل هذه المواقف شخصيًا، مع بعض النقد الذي طال روايتي «نساء المنكر» واعتبر هؤلاء أن الكتابة الأدبية الواقعية تُضعف العمل الأدبي، وفي الحقيقة، لا أدري هؤلاء من أي مادة يريدوننا أن نستقي أعمالنا الأدبية، فهل نكتب مثلاً عن قصص من جزر واق الواق؟
المواقف الأدبية بالنهاية وجهات نظر، وطريقة رؤية الكاتب نفسه. وهي أيضاً نتاج سياسي اجتماعي، وبدون تلك المؤثرات لن يكون هناك أي إنتاج حقيقي يرتكز على النجاح، في الوقت ذاته، من الخطأ إقحام العمل الأدبي في المشاكل الشخصية، كما يفعل البعض هذه الأيام من محاولات أدبية هشة تسعى لفضح فلان، أو فضح ممارسات معينة لا ترتكز على أساس الصدق، لأن هذه الممارسات إن دخلت العمل الأدبي فبالضرورة أن تكون ممارسات عامة لينتفي عامل الفضائحية.
أعود إلى الموضوع الأساسي، والذي منه دخلت في تلك الفرعية للتوضيح ولأجل أن يكون الحديث عن المشاركة الأدبية للحياة السياسية واضحًا من كل جوانبه. فالمواقف الأدبية التي خرجت لتسجيل موقف معين هي أحد البراهين التي تؤكد على عدم انفصال الأدب عن السياسة، حتى منع الكتب الأدبية ومصادرتها هي حركة سياسية مضادة لتوأمها الأدبي.
وإن كان الحديث عن ليبيا، فهي دولة تملك ثروة أدبية عظيمة، فمنها خرجت أقوى الأسماء الأدبية، من أبرزها: إبراهيم الكوني، الذي يتحدث اسمه عنه، ولا يحتاج إلى أي تعريف. أيضًا من أهم الأسماء النسائية: الأديبة رزان نعيم مغربي، التي دخلت روايتها «نساء الريح» إلى مسابقة البوكر، وأدعو لها من كل قلبي أن تفوز بها لأنها متميزة وتستحق البوكر بل وأكثر. كثيرون هم أدباء الساحة الليبية ومواقفهم الجديدة لم تظهر بعد إلى أن يُزيل عنهم رب العالمين غمته التي تُمارس انتهاكاتها بقذائف يومية لتكمل مسلسل «الجنون» الدموي الذي ينتهجه عقيدهم في حالة لا تُعتبر مفاجأة لمن يتابعه ويعرف نمط تفكيره المعوج. الذي أعرفه، أن الأدب الليبي سيسجل موقفه الحقيقي بعد أن يزيل الله عنه تلك الغمة، وسيخرج غداً من ركام قذيفة خمدت على كل الجماليات لأكثر من أربعين عامًا. وليس لهذا الشعب الحر منا سوى الدعاء.
www.salmogren.net