عندما يتحدث الإنسان من قلبه ودون أدنى تكلف تكون عباراته أقرب لذهنية السامع وغالباً ما تلامس شغاف القلوب، ويكون وقعها أشد وإيقاعها أسرع سواء أكانت خطاباً عقلياً صرفاً أو أنها ذات بعد شعوري وعاطفي فياض؛ خاصة عندما يكون المتحدث بوزن وحجم وجدية وإنتاجية معالي الأستاذ الدكتور عبد الله العثمان مدير جامعة الملك سعود، وعلى وجه أخص حين يكون الحديث ذا منحى علمي هام وله انعكاساته التنموية الوطنية، ويرتبط بصورة مباشرة بواقعنا اليوم، وفي ذات الوقت المتحدث لهم والمستمعون لما يقال قادة التغيير ورواد الجودة وربان التطوير في أهم صروح العلم والمعرفة على الإطلاق « الجامعات السعودية» المرشحة وبقوة لقيادة عملية التنمية في مناطق المملكة المختلفة.
لقد فتح صاحب المعالي قلبه في حفل افتتاح لقاء وكلاء الجامعات السعودية للتطوير والجودة صباح يوم الأحد الماضي وصرح في مطلع كلمته الرائعة بأنه سيتحدث في هذه المناسبة من القلب بكل شفافية ووضوح، وبالفعل، كان منه ذلك حيث استفاض بالحديث عن واقع التعليم العالي في المملكة، مقارناً بينه وبين ما هو موجود في بعض البلاد العالمية التي قد تتشابه في الظروف وربما تماثلنا في المعطيات والمنعطفات والتحديات والقدرات؛ معرجا في ثنايا كلمته على نقاط مهمة أعتقد أنها تستحق الوقوف عندها طويلاً ليس لمجرد التفكير فيها وتسجيل الإعجاب فيما قيل حولها، ولكن لتحويلها إلى برنامج عمل مؤسسي في إطار خطط وطنية مدروسة.
لقد ذم العثمان تكرار الحديث عن المستقبليات والوقوف طويلا في دائرة التنظير وهو محق في هذا؛ فالتخطيط مهم والدراسات والأبحاث التي تعتبر بمثابة القاعدة والمنطلق للفعل التنموي أهم، ولكن التوسع في رصد الاحتمالات وتغليب السلبي منها ومحاولة جمع كل ما يعد من أدبيات هذا الموضوع أو ذاك عند أهل الاختصاص قد يبطئ في الشروع بالعمل ويجعلنا أسارى القول دون أن نلج دائرة العمل التي هي أهم جزماً وفي كل الظروف، وهي المحك الرئيس للرصد والمقارنة، فكم من الدراسات والأبحاث المتخصصة صارت مع الزمن عبئاً وطنياً ثقيلا في الوقت الذي كان من المفترض أن تكون فتيل النهوض وعنوان الإنجاز وباب التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة.
من جهة ثانية أعلن معاليه، وبكل صراحة ووضوح، أن هناك من جامعاتنا السعودية من ليس لها أدنى صلة بمجتمعها؛ فهي لا تُعرف إلا كما نعرف رحلتي الشتاء والصيف حين القبول وعندما تقام حفلات التخرج، دون أن يكون لهذا الكيان التنموي الهام علاقة تذكر بالمجتمع من حولها، ولذا، لابد من أن تكون جامعاتنا بلا أسوار، ولا ننتظر من الطرف الآخر أن يأتي لنا بل لابد أن نبادر من أجل مد جسور التواصل بيننا وبينه، فنحن في جامعاتنا السعودية مرشحون وبقوة للقضاء على كثير من الإشكاليات المتوارثة، أو تلك التي جدت نتيجة التغيرات والتحولات التي تمر بها المجتمعات العالمية اليوم، ومنها المجتمع السعودي، وأعجبني كثيراً مقارناته الدولية وقدرته على قراءة الأرقام وتحليلها والتأكيد على الدور المناط بوكلاء التطوير؛ فهم من سيحقق الانتقال من مجتمع النفط إلى مجتمع المعرفة المنشود، اللفتة الذكية كانت في إشارته الرائعة إلى أن الجامعات في عامنا الجديد 2011م صارت بحق محركاً أساسيا، حتى في المجال السياسي الصرف، فالجماهير الشبابية غالبيتها هم طلاب الجامعات؛ سواء عربيا أو عالمياً، بصدق نحن بحاجة إلى مثل هذه الأطروحة التي تهز الذات وتحرك النفوس، وقد تبدل القناعات، فمديرو الجامعات ووكلاؤها وعمداء كلياتها المختلفة هم من يناط بهم المشاركة الفعالة والنهوض الحقيقي بمسارات ومسارب التنمية الوطنية من خلال بث ونشر الوعي المجتمعي وتذليل العقبات والتغلب على التحديات التي تقف حجر عثرة في وجه الفعل التنموي الشامل.
إن ارتباط المجتمع في الجامعة التي لابد أن يكون لها من اسمها نصيب لا يقتصر على موسمي التجارة المعروفة ورحلتيها المشهودتين، بل هي في كل العام وتتعدى قاعات الدراسة ومختبرات ومعامل التدريس إلى البحث العلمي والدراسات المسحية التي تخدم صناع القرار وتساعد المخطط والمنفذ على حد سواء إضافة إلى الدورات التدريبية وحلقات النقاش والكراسي العلمية والوقف الخيري والندوات والمحاضرات والمؤتمرات المتخصصة وبرامج خدمة المجتمع المختلفة، ولهذا جاء التوجيه الكريم من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين لتأسيس ونشر هذه الجامعات في مناطق المملكة المختلفة والرهان القائم اليوم ترى هل تستطيع جامعاتنا القديمة منها والحديثة في قيادة المجتمع والتأثير على منطلقاته الفكرية وقناعته الذاتية وسلوكياته اليومية أم أنها تكتفي برحلتي الشتاء والصيف؟؟!!
السؤال كبير والإجابة الإيجابية هي ما يتطلع له الوطن وينشده كل مواطن مخلص، ومن الأعماق شكر صاحب المعالي وهنيئاً للوطن بأمثالكم، وإلى لقاء، والسلام.