طالب سماحة مفتي المملكة حفظه الله في خطبة يوم الجمعة الماضية بإعادة النظر في بعض الأنظمة التي تضر بالمجتمع لسوء عواقبها ديناً ودنيا. وطالب سماحته من الذين يضعون الأنظمة مراعاة الله شرعياً ومراعاة مصالح المجتمع في كل الأحوال. وحذَّر سماحته - وهو التحذير الأول الذي يصدر علناً من شخصية دينية اعتبارية بهذا المقام الرفيع - من الغش في المشاريع الكبيرة لما يترتب عليه من مفاسد. مما قاله سماحة المفتي هو أن هناك رصداً لموازنات ضخمة لمشاريع لا تستحق هذه المبالغ، وأن التنفيذ سيئ وأن الخلل يتبين في المشاريع بعد استلامها بفترة قصيرة بوضوح، لأن المنفذ سلك مسلك من تعامل معه لأنه يراه غشاشاً وخائناً ففعل مثلما فعله في الغش والخيانة. وأضاف سماحته أيضاً - حفظه الله - أن هذا يعود إلى التلاعب بالعقود، خصوصاً المتعددة التي يتتالى فيها الربح فيكون المشروع كله في النهاية غشا وخديعة للمجتمع. أهم نقطة أشار إليها سماحته - وهي معروفة للجميع - هي أن بعض العقود الحكومية لا ترسى إلا على جهات معينة لا يمكن تجاوزها لأنها تدفع رشوة وتمارس الضغوط الإلزامية لترسية المشاريع عليها. ثمة نقطة أخرى أشار إليها سماحة المفتي هي خبث الذمة لدى بعض الموردين السعوديين للبضائع الأجنبية، حيث يحرصون على طلب مواصفات رديئة بأسعار كلفة أقل في بلاد التصنيع ليبيعوها بأرباح كبيرة في أسواقنا المحلية.
جزاك الله خيراً كثيراً يا سماحة المفتي وأثابك على تلمسك الصريح للدمامل والقروح التي تنهش في جسد الاقتصاد السعودي وفي هياكله البنائية وفي مستقبل البلاد والعباد. لا شك أن مفتي المملكة على علم ودراية بخطورة شراء الذمم بالرشاوى والحصول على المشاريع الكبيرة بالضغوط، ثم يتم نقل مهمة التنفيذ إلى مقاول آخر من الباطن، وهذا ينقلها بدوره إلى آخر، وهكذا دواليك حتى لا يبقى من الدجاجة غير ريشها. لهذا السبب تتشقق المباني وتغرق الأنفاق وتنهار السدود وتطفح الشوارع ويموت الناس بشكل شبه موسمي، ثم تعجز لجان التحقيق عن سحب المذنبين من أعناقهم وتقديمهم للعدالة. لهذه الأسباب أيضاً يتم استيراد بضائع من السوق الصيني الاستهلاكي الرديء لتتحول في أكبادنا ودمائنا وأجساد أطفالنا إلى مسرطنات وأمراض خبيثة. لهذه الأسباب أيضاً تشير الصحف وينبه الكتاب الغيورون منذ زمن طويل إلى وجود هذه الممارسات، ولكنهم أضعف ظهوراً من أن يشيروا بالأسماء والعناوين الصريحة إلى تلك الشركات وأصحابها ووكالات الاستيراد المتغولة.
ونظراً لأنك فتحت لنا الباب يا سماحة المفتي على كلمة الحق، ولأنك تتبوأ هذا المكان الشرعي الرفيع الذي تسبغ عليه المصداقية ويسبغ عليك الحصانة، فإنني أستميحك العذر حين أتوجه إليك بهذه المطالب:
أولاً: أن تشير حفظك الله بالأسماء والعناوين الصريحة إلى تلك الشركات سيئة التنفيذ وإلى المسؤولين فيها عن تلك الممارسات غير الشرعية. إنها معروفة على نطاق واسع يا سماحة المفتي ولكن الإفصاح الصريح عنها يتطلب الحصانة والمصداقية التي أنت أهل لها في كل الأحوال حفظك الله. إن التشهير بأصحاب الذمم الرديئة الذين يلحقون الضرر الفادح بالبلاد والعباد واحد من أهم العقوبات الشرعية، وليس الكلام همساً كالكلام على مسمع من الملأ والمجتمع.
ثانياً: أن تتم مفاتحة ولي الأمر وفقه الله وأطال في عمره في العقوبات المتوجبة شرعاً على أولئك المفسدين ومطالبتهم بالاستحقاقات المالية المترتبة على ممارساتهم للرشوة وسوء التنفيذ.
ثالثاً: أن تدعو إلى إقامة المؤسسات الرقابية المدنية التي تخضع فقط لقوانين ديننا الإسلامي الحنيف.
لقد أثلجت صدورنا يا سماحة المفتي في خطبة الجمعة المباركة تلك، داعين الله العلي العظيم لك بالتوفيق والسداد.