عودة هي العيد، وفرحة كفرحة صبيحة العيد؛ فهذا ملك عظيم، ربيع القلوب ومبهجها، وسعدها ومسعدها، ويوم الأربعاء يوم قدومه يوم أغر، يوم وصلت طائرته إلى وطنه، ويوم رأى ثرى وطنه ورآه هو، وهو يوم سعد عندما أطل المليك المفدى بطلعته على أبناء وطنه، رآهم ورأوه، وفرحوا به وفرح بهم؛ فرقصت القلوب طرباً، ووجفت القلوب فرحاً، وذرفت العيون من فرحها دمعاً.
لقد خفقت القلوب وجلاً عندما وعك المليك، لكنها ما لبثت أن رفرفت سعداً بخبر نجاح العملية، فلا أدري أي الأمرين أشد؟ أشدة الحزن أم شدة الفرح؟؟ غير أن الثاني محا الأول وأزاله وآثاره، ثم فرح الشعب بخبر تماثل المليك للشفاء، وأخذ يترقب عودته بعد فترة النقاهة والراحة، ثم أخذ يترقب، وانتظر الشعب والوطن الفرحة الكبرى بعودة المليك؛ لأنه الوالد للشعب، والأب الرحيم الشفوق؛ فعودته كالغيث العميم حيثما وقع نفع؛ فهو - متعه الله بالصحة والعافية - غيث هطال؛ فكانت عودته - حقاً وحقيقة - غيثاً، ومصداق ذلك تلكم الأوامر الملكية التي صدّر بها عودته وأصدرها، وزادت بها الفرحة فرحتين، والنعمة نعمتين، والغبطة غبطتين، لله دره، ولله هو من إمام إمام وحاكم حاكم، فقد تلقاها الشعب السعودي بالفرح والابتهاج، ولقد كان المواطنون مؤملين خيراً ورفداً، فوالله ما خيّب آمالهم، ولا نكص تطلعاتهم؛ لأن يده بيضاء، وأياديه عليهم تترى؛ فهذا ليس بغريب على ملكٍ ملَكَ القلوب، قلوب شعبه، وملك أحبه الإنسان أياً كان في أقطار الأرض كلها؛ فهو ملك الإنسانية، رحيم في غير ضعف، وشديد في غير صلف وعنف، بل جزاء بجزاء، وعمل بجزاء.
نظر - رعاه الله - في رحلة علاجه وفترة نقاهه فوجد شوقه إلى وطنه ولأهله عارماً، فغامره الشوق وخامره؛ فلما عاد - بحمد الله معافى - تذكَّر رجالاً خلف القضبان احتبسهم وأبعدهم عن أهليهم وأحبائهم وأصحابهم حق عام، أو دَيْن خاص، ونحوهما؛ فأصدر الأوامر التي علمها الجميع، وانتفع بها مَن رغب - أيده الله - أن يشاركه هو وأهله الفرحة، فعادوا إلى بيوتهم وأهلهم يَفرَحون ويُفرِحون، وقد لهج الجميع بالدعاء له بالعمر المديد، والرأي السديد.
ارتأى - رعاه الله - تخفيف آلام المدينين من المتوفين والمعسرين؛ فأفاض عليهم من فضله وفضائله؛ فعمت وشملت، إلى غير ذلك من خير عمّ العامل والعاطل، والكبير والصغير، والشيخ والعجوز، الفقير والغني، وصاحب المنشأة الصغيرة والكبيرة مما أثمرته طلعته البهية، وعودته الندية، وهذه الفضائل جعلت المحب غابطنا، والعدو حاسدنا، زاد الله أحبابنا، وكبح شر حسادنا.
ما زِلْتَ - مليكنا المنصور - للكرم عنواناً، وللقيم نبراساً، ونصيراً بصيراً، للمظلوم راعياً، وللظالم رادعاً، وبالحق آمراً، وللحق سيّاراً، وللشر مزيلاً، وللباطل مبيراً، دام الحق في عهدك منصوراً، والشر مدحوراً، رفع الله رايتك، وأعلى آيتك، وجعلك سراجاً منيراً، وعَلَماً شهيراً، موئلاً للمؤملين، وملجأ للمضطرين، وملاذاً للمحتاجين، ومأرزاً لأرباب الحقوق وأصحاب المظالم.
ختاماً، أدعو الله - جلَّت قدرته - أن يُلبس مليكنا ثوب الصحة ورداء العافية، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان، وأن يجعلها راية عالية، ومناراً شعّاعاً، وأن يحفظ عليها قادتها وسادتها وسراتها.
المجد عوفي إذ عوفيت والكرم
وزال عنك إلى أعدائك السقم
فهيد بن رباح الرباح -كلية اللغة العربية - قسم النحو والصرف وفقه اللغةبجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية