ستكون الجمهوريات العربية درسا تاريخيا مهما لشعوب الأرض، سيتوقف عندها الباحثون في التاريخ الإنساني، وسيكون درسا مسليا وغرائبيا وحزينا أيضا، بنفس الطريقة التي ننظر إليها الآن للإنسان البدائي.
ليس فقط لان تسمية الأشياء بغير اسمها خداع وكذب، كما القدرة على الاستمرار في خداع الجماهير وتخديرهم وتخويفهم، لكن أيضا لأنها سمحت وشكلت الدكتاتور الفرد الحاكم بصيغ متشابهة.
الإعلام من كل جهات الأرض يوجه كاميراته باتجاه الجمهوريات العربية، وينتقل من واحدة إلى أخرى، مقدما للعالم صورة سيئة أخرى لحال العربي الصابر لعقود تحت زعامة اللانظام أو زعامة الفرد، حيث تختصر المؤسسات والمنظمات في شخص الزعيم وعائلته الصغيرة وتدور حولها. قبل أن تحضر حرية المعلومة ونقلها عبر تقنيات العصر.
ملفت الآن ما يحدث في ليبيا، أو الكشف عن الحالة العربية التي ظلت في الظلام، بفضل سياسات الإعلام الحكومي الرسمي، والتي هي بطبيعة الحال جزء من السياسة العامة التي ترفض التدخل في شؤون الغير كما ترفض تدخل الغير في شؤونها. إلا أن ذلك تغير فالإعلام الجديد كسر هذه القاعدة السياسية، مثل قواعد كثيرة للعبة فن الممكن، الأمر الذي يحتاج إلى استيعاب جيد وحذر للواقع الجديد.
لا يمكن للصحفي عند الكتابة والتحليل الآن أن يسجل في اقل من شهرين من التاريخ العربي تحولات تفوق ما حدث في قرن من ثورات عربية سابقة، الطريف أن الزعيم الليبي -هو من بقايا ثورة، أسكرته بعدها كلمات جمال عبد الناصر «أنى أرى فيك شبابي»، لكن هذا الشباب انتهى منذ عقود، وتحول إلى مسرحية سياسية هزيلة.
ولا يمكن للصحفي -أيضا- إلا أن يسجل لغرائب شخصية بالكاد ترقى لتكون ممثلا مسرحيا ثانويا، لكنه أصبح قائدا وملكا وزعيما، لم يكفِ المسرح الليبي لتسليته لينتقل إلى إفريقيا، ليتوج نفسه ملك ملوكها، ويضيف لنرجسيته عميد الحكام العرب وإمام المسلمين.. الخ...
اليوم أصبح القذافي في «زاوية» يلفظ نفسا أخيرا في سيرته الثورية الغرائبية، قبل أن تسعى أرض ليبيا للعودة كملك جمعي لأهلها.
إنه كشف آخر عن جمهورية زيف أخرى، ليست إلا أملاكاً خاصة لرجل واحد، والبقية مجرد دمى لتكملة مشهد فج وساخر، في مسرحيات تحمل فصولها أسماء لجان شعبية أو ديمقراطية الـ 99%، أو الحزب الواحد الخاضع في النهاية للفرد الحاكم، وقانون واحد هو قانون الطوارئ الدائم.
لذا يأتي السقوط دائما مفاجئا ومدويا، وبطريقة لا يصدقها أو يتوقعها، حيث احتمال السقوط لم يكن واردا في فكر الدكتاتور، حتى بعد أن استفاق الناس -الشعب- من خدعة وكذبة الجماهيرية العظمى، كما غيرها.
إلى لقاء