كان حدثاً سعيداً حين رُزِق السيد أحمد بابنه الأول ياسر، ولكن الصدمة الأولى التي واجهته هي إبلاغه بخبر ولادة الطفل بإعاقة ذهنية (متلازمة داون)، وحمد الله كثيراً وصبر على ما قدّر. أما الصدمة الثانية فهي رحلة المعاناة التي واجهها إبان العلاج والتربية والتعليم والتأهيل ليعيش ذلك الطفل حياة كريمة معتمداً على نفسه وإمكانياته الذاتية.
فرغم أن والده مواطن متوسط الدخل حيث يعمل موظفاً في شركة سعودية عملاقة؛ إلا أنها - وبمبررات واهية - رفضت شموله بالتأمين الصحي الذي يمنح عادة للموظفين وأسرهم! فاعتمد والده على الله ثم على إمكانياته الشخصية بما منحه الله له من إرادة وعزيمة وإصرار وصبر واحتساب، حيث استقر رأيه بعلاجه على حسابه الخاص. وبرغم ذلك لم يتمكن من الحصول على مستشفى مناسب لكون ذلك مقتصراً على مستشفيات حكومية معينة متخصصة لحالات أطفال (متلازمة داون ) أو ما يعرف ب(المنغوليا)، لذلك لم يُحظ َ الطفل البريء بما يلائمه من أنواع مختلفة من العلاج سواء النفسي أو السلوكي أو الإدراكي أو التأهيل. ولا يعني ذلك أن حالة الطفل الصحية سيئة جداً، ولكن مرحلة العلاج البدني المهمة لكل الحالات المماثلة له لم تكن متوفرة بسهولة في بلادنا الكريمة إلا بنسبة لا تتعدى 10% برغم أهمية هذا النوع من العلاج.
ولم يتوقف الأمر على ذلك بل واجهته مشكلة المكان المناسب لتلقيه التعليم الذي يمكن من خلاله تطوير مهاراته السلوكية والإدراكية بالإضافة إلى التعليم الأكاديمي المناسب لحالته. وبرغم وجوده إلا إنه -للأسف- لا يكاد يتوفر واقعياً إلا بنسبة لا تتجاوز 2-5 % كحد أعلى!! أما الباقي فهي شكل دون مضمون، وتعتمد على الربح المادي البحت دون تقديم ما يعود بالنفع لهذه الفئة، حتى ولو جاءت بأسماء مختلفة وعناوين براقة قد تخدع الكثيرين.
ومما يحز في النفس أن حالات أطفال (متلازمة داون) تتزايد نسبتها في بلادنا الحبيبة، ويقابل ذلك نقص شديد في الأماكن العلاجية والتربوية الملائمة التي يمكن أن تساهم في احتضان هذه الفئة البريئة، لذا كان من الضروري الشروع في تأسيس المستشفيات المتخصصة والمدارس أو المراكز أو الأكاديميات الحقيقية المؤهلة بالكوادر البشرية المدربة والمخلصة والإمكانيات المادية.
وإن المواطن العادي الذي يعاني من هذا الأمر على يقين بأن المسؤولين وأصحاب القرار في بلادنا الكريمة سيسعون بإخلاص حين يعلمون مدى الحاجة لمثل هذه المراكز الحكومية والخيرية المتخصصة بتلك الفئات وبجميع مراحلها العمرية المتفاوتة في جميع مدن المملكة. حيث إن مراكز القطاع الخاص الحالية تعتمد على الأرباح التشغيلية دون تقديم خدمة موازية، وهو ما يلمسه من لديه تجربة مريرة.
وأحلام أصحاب التجارب المغموسة بالألم والصبر، والممزوجة بالأمل والتفاؤل، والمغلفة بالرجاء والتوكل لا تتعدى مناشدة المسؤولين من أصحاب القرار، ورجال الأعمال والمقتدرين بالمساهمة بإنشاء مشاريع إنسانية تقدم خدماتها المتكاملة لهذه الفئة الغالية علينا وعلى قلب وطننا الحبيب.
وإني لمتفائلة بأن يقيّض الله لهم من أصحاب النوايا الطيبة، والنفوس المتحمسة لعمل الخير ما يخفف من معاناتهم ويوقد شموع الأمل في نفوس أسرهم في ظل بلد الإنسانية والخير والنماء.
www.rogaia.net