|
لا يحفظ التاريخ في سجله الكبير إلا أسماء العظماء، أولئك الذين كان لهم دور فيه، وتأثير في حركته، وحضور بارز في أحداثه، بل وفوق ذلك صناعتهم للتاريخ نفسه وقيادتهم لتحولاته إلى النتائج التي ينتهي إليها. وهذا التأثير لا يكون إلا من شخصيات نادرة تجمع طيفاً من السمات أبرزها سمو الهمة، وشجاعة الطموح، وقوة الإرادة، إضافة إلى استشعار الأمانة والمسؤولية، والإحساس بالدور الفردي في حركة الزمن. هذه أبرز السمات لا كلها، إذ إن مثل هذه الشخصيات تكون منبعاً للصفات العليا، وأنموذجاً للمبادئ والمثل.
وجميع تلك السمات تتجسد في شخصية سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي فرض نفسه على التاريخ ملكاً وقائداً وصانعاً للتحولات الكبرى، لا على مستوى الوطن فحسب، بل على مستوى العالم كله، حتى غدا برؤاه وطموحاته حدثاً تاريخياً، ذا قدم راسخة بين أكبر الزعماء، وملجأ يفزع إليه الوطن وأهله عند المحن، وموئلاً ينتظر منه العالم قرارات تضيء ظلمة الشدائد التي تهز اقتصاده وأمنه وموارده، الأمر الذي جعل خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- فخراً لوطنه، وعزاً لشعبه، وباباً رحباً دخلت عبره بلادنا إلى ساحة العالم المتقدم.
إن أهل الوطن يدركون ويعيشون حجم التغيرات التي صنعها خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- على أرض بلادنا، وهي تغيرات بدَّلت ملامح الوطن وبرزت شواهدها على كل مناطق المملكة، وهي شواهد تحمل بصمات خادم الحرمين الشريفين المدفوعة بأمانة القيادة، وصدق الضمير، وتحدي الطموح مهما كان حجم العوائق. وهذا الإخلاص للوطن خلق لملك البلاد حضوراً ومحبة في قلوب المواطنين الذين أدركوا أن كثافة المشروعات التطويرية القائمة في مختلف أرجاء الوطن ليست إلا لهم، هذا إلى جانب ما رأوا في قائدهم من التواضع والإنسانية والانشغال الدائم بالوطن والمواطن لتحسين عيشه والنهضة به إلى حدٍّ شعر معه كل مواطن أنه أمام أب يرعاه ويسهر عليه، ويسعى لكل ما فيه مصلحته.
ولم يكن غياب خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- في رحلته العلاجية هيناً على المواطنين، فقد رافقوه بقلوبهم يدعون له حتى تكللت الرحلة بالنجاح فأبهجهم شفاءه، وواصلوا الدعاء له بتمام السلامة في فترة النقاهة التي يقضيها هذه الأيام في دولة المغرب. وهذا الموقف يجسد وفاء المسؤول الذي رعى مسؤولية القيادة والوطن ففرض محبته على القلوب، كما يجسد ولاء المواطن الذي يقدر لقائده فضله وجهوده.
وعند التأمل في طبيعة المشروعات الجديدة التي أقرها ملك البلاد -رعاه الله- ببصيرته وثاقب رؤيته، نجدها في العموم تتركز على محور واحد هو بناء الإنسان والاستثمار في العقل البشري، حتى إن الخطة التنموية التاسعة للبلاد الصادرة عن مجلس الوزراء نصت على توجه البلاد نحو ذلك بالتركيز على الاقتصاد المعرفي، وهو الاقتصاد الذي يستثمر منجزات العقل لبناء الدولة والإنسان. ولذا نرى في مشروعات ملكنا -حفظه الله- تركيزاً على النهضة بالتعليم بدءاً من التعليم العام عبر مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام، ومروراً بالتعليم العالي بالقفز بعدد الجامعات من (8) إلى (33) جامعة تغطي كل مناطق المملكة، وكذا تأسيس الجامعات النوعية كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي ستكون منارة للمعرفة ومحضناً للعقول الحية المنتجة، هذا إلى جانب تأسيس مدن المعرفة والمدن الاقتصادية في بعض مناطق المملكة. وكل ذلك يدل على دقة الاستقراء الذي بنى عليه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- خطته التنموية للنهضة بالوطن والمواطن.
وكانت جامعة الملك سعود من الجامعات التي استثمرت توجه قائد البلاد -رعاه الله- نحو النهضة بالتعليم العالي، فسارعت الجامعة لمسايرة فكر القائد حتى استطاعت أن تحقق منجزات دولية رفعت راية الوطن، وجعلت اسم المملكة العربية السعودية مألوفاً في الأوساط العلمية العالمية بعد تحقيقها المركز الأول عربياً وإسلامياً وشرق أوسطياً وأفريقياً، ودخولها ضمن نادي أفضل أربعمائة جامعة على مستوى العالم حسب تصنيف شنغهاي الشهير، ولم يكن هذا ليتحقق بعد تيسير الله إلا بما تلقَّتْه الجامعة من لدن خادم الحرمين الشريفين من دعم ومساندة.
أما على الصعيد الخارجي فإن بصمات قائد بلادنا -رعاه الله- تجسد سعة أفقه وبعد نظرته ورغبته الملحة في أن يكون العرب والمسلمون أولاً ثم العالم كله متصالحاً متعايشاً في سلام بلا حروب أو نزاع أو توتر. إنها الهمة السامية التي لا تحصر اهتمامها وجهودها في حيز حدودها الجغرافية فحسب, بل توجه شطراً من الجهود لما يخدم صلاح العالم كله, فكم من مبادرة إصلاحية كانت وراءها جهود خادم الحرمين الشريفين تنسيقاً ومتابعة, وكم من خلاف سعى حثيثاً فجمع أطرافه باذلاً وسعه حتى تحقق الصلح وذاب النزاع. ولم تقف جهوده الإصلاحية -أيده الله- على ذلك فحسب, بل تجاوزه بثاقب نظره وعميق حكمته إلى عقد حوارات بين الحضارات والأديان للتقريب بينها سعياً لتأسيس ثقافة التسامح ونشرها ليكون العالم أسرة واحدة تتعايش بمحبة وسلام على اختلاف أعراقها وأديانها. وعزز ذلك بإطلاقه جائزةً عالمية للترجمة تهدف إلى مدّ جسور الصلة مع الثقافات الأخرى، ونشر مفاهيم الانفتاح والتحاور الإيجابي مع الآخر.
إن كل تلك المنجزات والجهود الكبيرة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- جعلته شخصية بارزة استرعت انتباه العالم فأهَّلته للحصول على عدد من الجوائز التقديرية المحلية والعالمية، كجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وجائزة «برشلونه ميتينج بوينت» العالمية لرؤيته الثاقبة بإنشاء مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، واختياره الشخصية الأولى الأكثر نفوذاً وتأثيراً في العالم الإسلامي حسب استطلاع مركز «بيو» الأمريكي، وتحقيقه المركز الثالث عالمياً ضمن أقوى الشخصيات تأثيراً في العالم حسب ما أظهرته نتائج مجلة فوربس الأمريكية، وحصوله على جائزة الملك خالد للإنجاز الوطني، وغير ذلك من الجوائز.
أسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين، وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يمد في عمره ذخراً لوطنه وشعبه وللعالم المتطلع دائماً إلى قراراته ومبادراته، كما أسأله أن يحفظ ولي عهده الأمين ونائبه الثاني، وأن يمتعهما بالعافية، وأن يكتب لوطننا وأهله الرفعة والنماء.
مدير جامعة الملك سعود