المحبة تنبع من القلب، وميزانها ومقياسها المشاعر والأحاسيس، تظهر جلية واضحة عند المواقف، وتبقى خلف الأضلاع في الظروف العادية، والمحبة شعور يزرعه الله في قلوب البشر لبعضهم البعض، ولكن هذا الزرع لا يأتي دون سبب، فلابد من أفعال ومواقف تولد تلك المحبة، قد تكون مباشرة بين المحب ومن يحب، وقد لا تكون مباشرة وتكون أفعاله ومواقفه الإنسانية عامة شاملة تدعو وتجذب كل من سمع بها إلى محبته، هذا هو ما حصل بين كل شرائح الشعب السعودي وقائده ومليكه وحامل رايته خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فالملك عبد الله - حفظه الله - له مواقف مشرفة مع كل من قابله، أو احتاج إليه، بل مع شعبه كافة، لقد نذر نفسه لشعبه منذ كان نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ثم ولياً للعهد كان يستقبل مئات المراجعين من كل أبناء المملكة مساء يوم الثلاثاء في منزله بالروضة، كما يستقبل مجموعات أخرى مماثلة منهم صباح يوم الأربعاء في رئاسة الحرس الوطني، كانت تعليماته الواضحة والصريحة ألا يمنع أحد من الوصول إليه مهما كان مطلبه. كان يستمع إلى كل مواطن ويتفهم قضيته ومطلبه ويأمر بما يحقق تلك المطالب في حدود الأنظمة والتعليمات. ينصف المظلوم، ويساعد المحتاج، ويغيث الملهوف. كان ولا يزال لا تأخذه في الحق لومة لائم، يرى الضعيف قوياً حتى ينصفه، ويرى القوي ضعيفاً حتى يأخذ الحق منه. كان يتابع بنفسه قضايا المواطنين واستمر على هذا البرنامج حتى بعد توليه مسؤوليات الحكم في أواخر عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - وبعد توليه مقاليد الحكم استمر على ذلك ولكن مع تغيير في الزمان والمكان نظراً لثقل الحمل وتعدد الأعباء والمسؤوليات، وتوسع المهام والواجبات، فصار يستقبل المواطنين في الديوان، ومع ذلك ظل قريبا من أبناء شعبه حريصا على الاطلاع على أحوالهم، والإلمام بقضاياهم وحلّ همومهم ومشكلاتهم.
حصل على لقب ملك الإنسانية كما يتصف به من طيب القلب وصفائه، واتساع الرحمة في نفسه، وصدق محبته لوطنه وشعبه وأسرته الكبيرة لكن المحبة لم تقتصر على هؤلاء، بل إنها تعدتهم إلى كل الشعب السعودي، بل وإلى كثير من شعوب العالم، فمواقفه - حفظه الله - الإنسانية، وتاريخه الناصع أوجدت هذه المحبة وزرعتها في قلوب الجميع، ومع أول ظهور لآثار المرض على جلالته تحركت تلك المحبة وترجم كل إنسان من هذا الشعب الوفي محبته لمليكه في دعاء صادق إلى العزيز الرحيم أن يعجل له بالشفاء العاجل، وأن يمده بثوب الصحة والعافية، وأن يطيل في عمره، هذا الدعاء والاستغاثة أخذت أشكالاً مختلفة فغالبها بين العبد وربه في صلواته وخلواته. وبعضها في مقالات تقطّر بالمحبة والوفاء على صفحات الجرائد والمجلات وبعضها في قصائد شعرية صادقة المشاعر، عذبة الأحاسيس، وبعضها في صور إعلانات على صفحات الجرائد والمجلات. المحبة الصادقة لا تشترى بالمال ولا تفرض بالقوة والإكراه، ولا يلزم الناس بها بطريق أو بآخر، ولا يتم تبادلها مثل الهدايا بين الناس ولكن الله يمنحها لمن يشاء ويسكنها قلوب من يشاء.
أنزل الله محبة الملك عبد الله في قلوب شعبه وكل من يعرفه من خارج شعبه، لما حباه الله من صفات لنفسه ولشخصيته مثل قوة الإيمان بالله والتوكل عليه في كل الأمور والاتجاه إليه وحده عند الشدائد، وطهارة وطيب القلب، وصفاء النية والسريرة. حبه لوطنه ومواطنيه، وحرصه على خدمتهم وحل قضاياهم وتوفير العيش الكريم لهم. وذلك دليل - إن شاء الله - على محبة الله له، فالله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً من عباده أمر جبريل عليه السلام بأن ينادي في الملأ الأعلى بتلك المحبة فيحبه أهل السماء، ثم ينزل محبته في الأرض فيحبه أهل الأرض، وتلك المحبة لها ثمن باهظ هو تبادل المحبة مع من يحب ديناً وشعباً وأمة، والسعي إلى خدمته ورفعة شأنه، القرب منه وتلمس احتياجاته، وحل مشكلاته والسهر على راحته، كما تتطلب صفحات بيضاء ناصعة من التاريخ، وسلوك إنساني مفعم بالخير وحبهُ.
مع أنني لم أكن من العاملين معه - حفظه الله - في استقبال المراجعين إلا أنني بحكم عملي كوكيل للحرس الوطني وحضوري مجالس استقباله للمواطنين منذ عام 1398هـ وحتى تقاعدي من العمل في الحرس الوطني عام 1422هـ قد شهدت كثيراً من المواقف الإنسانية العظيمة لجلالته - حفظه الله - مع شعبه فهو من أمر بحسن استقبال المراجعين وإجلاسهم على كراسي في مجلسه حتى يكتمل عددهم ويحضر إليهم وهو من أمر بوضع كرسي، لجلوس المراجع عليه أمام جلالته والاستماع إلى شكواه وتسلُّم ما لديه من أوراق ومساعدة كبارهم في الجلوس وفي النهوض كل ذلك في مناظرة إنسانية مؤثرة. وهو من أوقف موكبه ليستمع إلى سيدة معها أطفالها يستمع بكل إصغاء إلى شكواها ثم يكلف مسؤولاً كبيراً بمتابعة موضوعها حتى إعادة الحق إليها، وهو من استمع في مختصرة إلى مراجع جاء يشتكي مسؤولاً ظلمه وصادر حقه ثم يأمر بمتابعة موضوعه إلى أن أعيد له حقه وجرت محاسبة الموظف المسؤول. وهو من خرج من منزله ليلاً في رمضان ليتفقد الفقراء والمساكين في حي من أحياء الرياض الفقيرة (الشميسي) ثم يأمر وزير الشؤون الاجتماعية بوضع دراسة مفصلة لمعالجة الفقر في المملكة.
مواقف إنسانية كثيرة يعجز الإنسان عن حصرها. لكنها كلها تؤكد إنسانية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز وإخلاصه وحبه لشعبه ورغبته الصادقة في تقديم كل شيء له وتحسين أوضاعه وإحقاق العدل والمساواة في البلاد. مواقف فتحت قلوب شعبه لمحبته.
فهنيئاً لسيدي خادم الحرمين الشريفين بهذا الشعب الوفي وتقبل الله كل دعوة ورجاء وجهت إلى الخالق العزيز الرحيم من أجل شفائه وعودته سالماً معافى، وهنيئاً للشعب السعودي بمليكه المحبوب، ونجاح عملياته الجراحية وشفائه وعودته إلى أرض الوطن ليواصل السير بهذه المملكة الفتية إلى الأمن والأمان والخير والتنمية يداً بيد مع حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وكل الرجال المخلصين. وفق الله الجميع وأشاع بينهم المحبة والوئام.
* وكيل الحرس الوطني وعضو مجلس الشورى سابقاً