بين الترقب والبهجة، والخوف والرجاء، والشوق والفرحة تداخلت مشاعر المواطنين منذ مغادرة خادم الحرمين الشريفين في رحلته العلاجية، وحتى عودته سالماً معافى، بفضل الله. ترقب لأخباره، وتطور حالته الصحية، وبهجة بعودته سالماً؛ خوفٌ عليه مما ألم به، وفرحة بشفائه؛ وشوقٌ لرؤيته في غربته، وفرحة ملأت قلوب الشعب بعودته. قد لا نكون منصفين إن قصرنا تلك المشاعر على الشعب؛ فمشاعر الشوق والفرح تجاوزت الشعب إلى الوالد القائد الذي عاد إلى أبنائه وبناته، إخوانه وأخواته، ولا نقول شعبه، فمشاعر الأبوة والأخوة تطغى في قلب المليك على علاقته بالحكم.
علاقة عفوية تتداخل فيها المشاعر، ويصعب الفصل بينها؛ عفوية الملك عبدالله وبساطته جعلته قريبا من قلوب شعبه، وحطمت حواجز السلطة، واستبدلتها بجسور الحب التي أثمرت عن تواصل القلوب، وزخم المشاعر الجياشة. قلوب مشفقة، ومحبة، تسابقت لرفع الدعوات الصادقة إلى الباري عز وجل بأن يمن على مليكهم بالشفاء والعودة الآجلة.
غاب الملك عن أرض الوطن، ولم يغب يوما عن شعبه؛ بقي متواصلا معهم، ومتابعا لشؤونهم، وعاملا بإخلاص وهو الأكثر حاجة إلى الراحة. ملك يجد راحته في خدمة شعبه، لن يتوقف عن خدمتهم مهما كانت الظروف. الشعب كان في انتظار الملك، فأرسل لهم تباشير الفرح كرما وسخاء، بعد كرم الله علينا بشفائه وعودته سالما. سبقته قراراته إلى أرض الوطن، فأسعد الجميع، وضاعف الفرحة بحزمة قرارات وجهت لدعم المواطنين والتخفيف عنهم. ثلاثة عشر أمراً ملكياً تمحورت حول الاقتصاد الاجتماعي، واهتمت بدعم الفئات المستحقة من الضمان الاجتماعي وقطاع الإسكان، والعمل، والبطالة، والتعليم والابتعاث الخارجي.
للملك فلسفة خاصة في الدعم، قد لا تتفق مع خبراء الاقتصاد، ومسيري السياسات المالية. تقوم فلسفته على نتائج البركة في زيادة ثروة الوطن، في الوقت الذي يعتقد فيه أرباب الاقتصاد أن وسائل الدعم المباشرة تزيد من أعباء الدولة وتثقل الميزانية بمصروفات إضافية. ينحى الملك عبدالله منحى التخفيف عن كاهل المواطن، بخفض الرسوم، وزيادة الدعم، وينحى الاقتصاديون إلى عكس ذلك؛ وهم يعتمدون على نظرياتهم المالية والاقتصادية الجامدة، في حين تتركز نظرة الملك عبدالله على وعود ربانية، ومشاعر إيمانية تضمن زيادة المال ونمائه مع زيادة الإنفاق على المستحقين. كنت كتبت عن «بركة الراعي في بر الرعية» ولعل ما نجده من بركة وسعة في موارد الدولة إنما يُعزى إلى فضل الله، ثم إلى بركة الإنفاق على الشعب، وتلمس الحاجات، والعفو عن العثرات.
حزمة قرارات الدعم التي أصدرها الملك عبدالله صبت في مصلحة المواطنين جميعا دون استثناء. دعم رأس مال صندوق التنمية العقارية بمبلغ 40 مليار ريال ودعم ميزانية هيئة الإسكان بـ 15 مليار وزيادة رأس مال الصندوق سيؤدي إلى التعجيل بإصدار القروض العقارية، وإلى زيادة عدد الوحدات السكنية المتوقعة، مما سينعكس إيجابا على المستحقين، وسوق البناء والتشييد؛ أما رفع رأس مال بنك التسليف إلى 30 مليار فيعني مزيدا من السيولة المتاحة للمحتاجين خارج القطاع المصرفي، وهو أمر مهم لشريحة عريضة من المواطنين. وعلى علاقة بدعم الأسر المحتاجة، يأتي قرار دعم الضمان الاجتماعي بمليار ريال، وزيادة دعم الجمعيات الخيرية بنسبة 50 في المائة، ودعم الأسر المحتاجة في الجامعات، وإعفاء جميع المقترضين المتوفين من صندوق التنمية العقارية وإعفاء جميع المقترضين بواقع قسطين مع زيادة الاعتمادات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وإعفاء عدد كبير من سجناء الديون ليزيل هما ثقيلا عن المدينين، وليدعم استقرار الأسر، ويخفف عنها، ويُعالج بعض مشاكلها المالية التي تنعكس سلبا على حياتهم المعيشية. استهداف شريحة المحتاجين، أو الأقل دخلا يصب في جهود برامج (مكافحة الفقر).
تثبيت بدل الغلاء في مرتبات موظفي الدولة أسعد جميع الموظفين، على أساس أن البدل كان مؤقتا وأصبح دائما، وهو ما يقلل من أعباء المعيشة، ويخفف من كاهل الأسر. لم ينسَ الملك عبدالله التعليم الذي بات شغله الشاغل، فأمر بضم جميع المبتعثين على حسابهم إلى برنامج الابتعاث، ودعم ميزانية برامج الابتعاث الخارجي، وهو أمر سيخفف كثيرا عن كاهل الأسر التي تتحمل تكاليف تعليم أبنائها في الخارج.
دعم الباحثين عن العمل كان أحد قرارات الدعم المهمة، التي أعتقد أن نفعها سيعم الجميع بإذن الله. قرارات مباركة أسأل الله أن يُجزي خادم الحرمين الشريفين عنها خير الجزاء، وأن يديم عليه نعمتي الصحة والعافية، وأن يحفظ البلاد والعباد من كل شر؛ إنه سميع مجيب. حمدا لله على سلامتك يا خادم الحرمين الشريفين؛ وطهور بإذن الله.