كان يكفي أن يُصدر الملك قراراً بمنح مبلغ مقطوع لكل مواطن، كأن يمنح خمسة آلاف ريال أو أكثر فيلهج الجميع بالشكر ويثنون على القرار الملكي.

قرار مثل هذا يستهدف كسب تعاطف جماهيري.. إجراء يزيد من مساحة التأييد والالتفاف، هكذا يقول علماء الاجتماع والسياسة، إلا أن مثل هذه القرارات العاطفية الجماهيرية لا تحقق إلا الغرض الدعائي.. وفي ظرف وقتي، وليس لها أي انعكاس تنموي ولا بنيوي؛ فالمنحة التي تُقدَّم، ومهما بلغت، لا تخدم سوى من يتلقاها، وقد تساعد مواطناً محتاجاً في فك ضائقته المالية، أو قد تعالج مريضاً، إلا أن الآخرين - وهم الأكثرية - لا تزيدهم شيئاً ولا تضيف إليهم شيئاً.. ولكن المنحة التي تُقدَّم للوطن وللشعب، وفي مثل هذه المناسبة التي عاشها كل أبناء الوطن بعودة باني وقائد الوطن معافى، تستحق أن ترقى إلى مستوى المناسبة؛ فشفاء عبدالله بن عبدالعزيز، الذي استبشر به الجميع سعوديين وعرباً ومسلمين، يجب ألا يقتصر على تقديم منحة مالية؛ فهذا تقزيم للحدث وتقليص للفرحة، وكأن المواطن ينتظر الحصول على المال ليفرح بشفاء قائده وملكه والرجل الذي يبادله الحب.

ولأن عبدالله بن عبدالعزيز رجل فكر وإصلاح، ولأنه صاحب نظرة تسعى لتحقيق بناء بنيوي تكاملي، جاءت حزمة القرارات الملكية لتحقيق جُمْلة من الأهداف التي تنعكس إيجاباً بصورة مباشرة وغير مباشرة على جميع المواطنين والمقيمين؛ فبالنسبة للعاطلين ستسهم القرارات في تفعيل آليات توظيف العاطلين عن العمل، ووضع قاعدة بيانات توفرها قوائم المستفيدين من إعانة البطالة لتحديد الاختصاصات وإحلال المواطنين محل العمالة الوافدة.

كما أن القرارات ستحسِّن أوضاع قرابة المليون مستفيد من مخصصات الضمان الاجتماعي، وتُحسِّن عمل وفعالية 590 جمعية خيرية بعد منحها زيادات في المساعدات المقدَّمة لها تصل إلى 50 في المئة.

أما القرار المتعلق بدعم صندوق التنمية العقاري بـ40 مليار ريال فإنه سيُعجِّل في تمويل بناء آلاف الوحدات السكنية، ويختزل سنوات الصبر التي كانت تحبط المواطنين. وإذا ما أُضيف قرار دعم هيئة الإسكان التي عليها أن تثبت وجودها وتنشئ وحدات سكنية تقدمها للمستحقين تكون مشكلة الإسكان في طريقها للحل.

أيضاً يأتي تولي وزارة التعليم العالي الصرف والإنفاق على 10 آلاف طالب وطالبة يدرسون على حسابهم الخاص، وضمهم إلى البعثات الطلابية.. يأتي هذا القرار ليزيح حملاً ثقيلاً عن كاهل العديد من العوائل السعودية التي كانت تستقطع من معاشها للصرف على أبنائها المبتعثين.

قرارات تنموية بنيوية نرجو ونتطلع أن يتفاعل معها المسؤولون، ويحسنوا تنفيذها، وألا يؤخروا أوامر الملك، وأن يتخلصوا من بيروقراطيتهم التقليدية، ويكونوا مثل الملك ساعين بصدق لخدمة الشعب الذي سيبادلهم حباً بحب مثلما هو الحب الصادق الذي يتبادله مع مليكه وقائده عبدالله بن عبدالعزيز.