تداولت الشبكة الإلكترونية والبريد الإلكتروني مقطع فيديو لتمثيلية قديمة هي «ضيعة تشرين» يمثل فيها حسني البورظان دور مختار الضيعة ويمثل دريد لحام وآخرون شباب الضيعة الواعين الذين يقررون الاجتماع بالمختار لتقديم مطالبهم المشروعة وهي أن يعزلوا المختار إن لم يقم بتغيير الأوضاع وتحسين الحال ومحاسبة الفساد الإداري في أجهزته الرسمية ومراقبة أداء المسؤولين عنها ومنهم المسؤول عن الأراضي والمسؤول عن الخزينة اللذين افتريا على حقوق الناس. ويوضح المقطع مقابلة المختار ووراءه موظفوه الشباب، حيث يسألهم «ماذا تريدون..؟»، ويستمع لقائمة مطالبهم دون جدال واعتراض، ثم يوافق على إجراء تغييرات مباشرة استجابة لهم، فيصدر قرارين حاسمين بإقالة المسؤول عن الأراضي والمسئول عن الخزينة.. ويصفق الشباب لتفهمه واستجابته. ثم يصدر قرارين آخرين بتعيين المسؤول السابق عن الخزينة مسؤولاً عن الأراضي وتعيين المسئول السابق عن الأراضي مسؤولاً عن الخزينة. وبينما يفرح الشباب لقراري الإقالة تصدمهم قسوة اكتشاف أن شيئًا ما لم يتغير، فالمسؤولون عن الفساد الإداري ما زالوا في مواقع السلطة وسيظل عمل الفريق المتعاون على غير «البر والتقوى» قائمًا مستمرًا.
المسرحية - كما هي بقية أعمال دريد لحام- من النقد السياسي الهازل ولكنه جاد لاذع يصيب في الصميم، حيث يمثل بوضوح المواطن الضائع الحقوق التي يسرقها فريق من المتسنمين على كراسي لخدمته. هي تمثيلية قديمة من فترة الثمانينات ،وقد استعادها من رفوف أرشيف الذاكرة العربية ما حدث واستشرى في الواقع العربي، مبتدئًا بثورة تونس ومصر اللتين أطاحتا بالرئيسين بن علي ومبارك خلال أقل من شهر، وما زالت المساءلات ل»المختار العربي» تتوالى كشرارات مستمدة من الجذوة الأصل وهي عدم رضى المواطن عن أحواله.
وإذا كانت أوضاع العالم العربي تختلف ونوعيات من يترأس دوله تختلف أيضًا فإن أوضاع المعاناة تتشابه وإن كانت مسبباتها تتفاوت. ولذلك ليس من المستغرب أن المواطنين في الخريطة العربية لم تمر عليهم الأخبار مرور الكرام، بل قرروا أن الوقت قد نضج للإعلان عن مرئياتهم في قرارات وأسلوب وبطانة مخاتيرهم. ومشوا على غرار ما رأوه حدث في تونس ومصر.
ليس هناك في العالم كلّه الآن من لا يعرف بما حدث ويحدث في شوارع وعواصم الدول العربية فقد وصل إلى الجميع بكل تفاصيله المحزنة سواء جاء مشذبًا في وسائل إعلامها الرسمي، أو تفصيليًا مؤلمًا كما وصل في مقاطع التويتر واليوتيوب، أو حتى رسائل الإيميل.
لا أجزم أنني أعرف ما سيحدث في الأيام القادمة أو حتى ما سيستجد بين لحظة كتابة هذه المقالة ليلة السبت ونشرها يوم الأحد؛ كل ما أعرفه أنني اطلعت على مقاطع مرسلة من معلومين ومجهولين ترسم بوضوح تفاصيل ما حدث خلال الأيام الثلاثة السابقة في الشوارع العربية الناطقة في اليمن والبحرين والجزائر والكويت والعراق وليبيا؛ وربما فاتني غيرها.
ولا استطيع أن أقول: إن أحدًا ما سيصغي إلي لو قلت مخلصة: اصغوا يا مخاتير إلى همهمة الشباب في الشوارع فهي ليست تصفيقًا مكتئبًا لمسرحية محلية في زمن الثمانينات أو شهقة مكبوتة لمسرحية دولية في زمن التسعينات. ولكني استطيع أن أقول: إن أي مختار ينسى أنه اختير للقيام بمسؤولية عامة أو يعتقد أن مراوغة الحل المطلوب ممكنة عبر القيام بتغيير مظهري، لم يستوعب تمامًا ما حدث: المواطن العربي اليوم ليس مواطن ضيعة تشرين! ولكنه شباب الإنترنت الذين لا يمكن أن تبنى حولهم جدران الفصل عن المعلومة والقدرة على التواصل.
اصغوا بصدق واسألوهم: «ماذا تريدون؟..»
واستجيبوا بإخلاص.. لعلنا كلَّنا نسمع زغاريد فرح بوجودكم.