النرجسية (Narcissistic) أسطورة يونانية ورد فيها أن (ناريس) كان آية في الحسن وفي الجمال وقد عشق نفسه عندما رأى وجهه في الماء، والنرجسيون كذلك لديهم شعور غير طبيعي وغير عادي بالعظمة والشذوذ والانحراف حد الجنون بتضخيم (الأنا) وبأنهم الأفضل والأجمل والأحسن والأذكى والأرقى........
.....والأدهى والأمثل، وأن الآخرين أقل منهم شأناً وأدنى، ولذلك فهم يمنحون أنفسهم أحقية نقد الناس والسخرية منهم والتكبر والتعالي عليهم. إن النرجسيين يحاولون دائماً وباستماتة عجيبة وباستفزاز ظاهر الظهور بمظهر الأنيق والمميز في الملبس والمركب والمسكن والمأكل والمشرب كي يبدون في عيون الناس محط الإعجاب ومركز التحديق، والنرجسيون أشخاص لا يقبلون إلا لصوت المديح العالي وكلمات الإطراء والإعجاب وقرع الطبول والتصفيق الحاد والتصفير الكبير، والنرجسيون لديهم تميز خاص وتفرّد بالغرور والتعالي واصطناع الأشياء والطموح الزائد غير المشروع ومحاولة كسب الأشياء والسيطرة عليها، ولديهم الرغبة المستمرة في البحث عن الألمعية والجمال وبأنهم الأكمل في كل شيء حتى في طريقة الاحتفاء والكلام والمصافحة والابتسام، ولديهم إحساس كبير بأنهم نادرون مثل الجواهر الثمينة والأحجار الكريمة، وإنهم نوع خاص وفريد لا يمكن محاذاتهم أو مجاراتهم أو حتى تقليدهم. إن النرجسيين أشخاص يبالغون جداً في تأطير الأنا ببذخ عجيب رغم شخصياتهم الهشة والرقيقة في حقيقتها. إن النرجسيين يعانون خواءً عاطفياً وتفاوتاً واضحاً وبائناً في أمزجتهم وخيبة أمل وهوس وقلق واضطراب، لذلك نجدهم يجمحون بإفراط عجيب نحو استخدام قدراتهم اللغوية رغم ضعفها وقصر مفرداتها في جلب الانتباه ولفت الأنظار فيما يودون قوله وفعله وطرحه. إن النرجسيين يملكون التباهي والزهو الحاد، لكنهم لا يملكون أدنى درجات المنطق ولا رجاحة العقل ولا الحكمة ولا رؤية الأشياء على طبيعتها ولا يملكون آلية التعامل برفق مع معايير الأشياء ومتطلبات الحياة ولديهم تبجح تام ودائم بالذات وبهرجة ملوّنة تشبه كرنفالات الأعياد بمناسبة وبغير مناسبة مما يترك البصر حسيراً. إنني في حياتي قد عرفت عن قرب بعض الأشخاص النرجسيين الذين يملكون مسحة عالية من التعالي وغروراً كبيراً بالنفس واهتماماً حاداً وضخماً ب(الأنا) حد التقديس الممل، على الرغم من أنهم لا يتميزون على أرض الواقع بشيء عن الآخرين إن لم يكونوا أقلّ شأناً منهم وأقصر قامة وأدنى موقعاً ودرجة، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها) رواه الترمذي وأبو داود وأحمد.
فيا أيها النرجسيون لا تستبيحوا لأنفسكم استغلال الناس والسخرية منهم، ولا تكونوا مثل نبات النرجس ذي الحراشف اللحمية والقواعد الورقية والرائحة القوية واللون الأخضر والأملس والذي به شبهت العيون الفواتر لانكساره وميله لكنه في نفس الوقت يقتل أعداءه من النباتات الأخرى التي تنمو بجواره.