الحياة مليئة بالمتاعب والمصاعب، والأحبال الشائكة، ومعاشرة الخلق بطبيعتها وعرفها يندر أن تخلو من المكدرات والمنغصات والتوافه. وكل ما كانت المنزلة التي يحظى بها المرء عالية المكانة، ممتدة النفوذ ومتسعة العلاقات، كان ذلك أشد وطأة عليه وأشق على مشاعره وأحاسيسه لما يلقاه من تقلبات الدهور والأيام.
فتراك تحسن لهذا المرء اليوم ويسيء لك هو في الغد، وتمنح هذا ما تملك من مال وجاه اليوم وتراه يشكرك ويثني على صنيعك في حينه وينساه مع الزمن ويجحده، وتقوم فتعطي أحد أصدقائك وطلابك ومديرك موعداً وأنت قد خصصت ذلك الموعد لمهمة ما أو إنجاز معين، فيفاجئك بالاعتذار بمسوغ لا يرقى إلى مستوى الأدب وحسن التعامل.
يطلب منك أحد أن تعاونه في إتمام مشروع أو تتميم مهمة أو تراجع له بحثاً كتبه أو موضوعا نسخه وتحدث عنه، فتقطع من وقتك لتمنحه ذلك الشخص وتتهيأ للقيام بما أردت وتعمل فيه طاقتك وجهدك فيفاجئك بنكرانه لك وإنقاصه من دورك وخدمتك.
ابنك لطالما مددت له يد العون والعطف والمساعدة بالمال والسؤال والخدمة وتنوعت يد الإحسان إليه بشتى الطرائق والسبل، فيتنكر عليك بشتى وسائل النكران والجحود!!
الموظف الذي أتاك جاهلاً واستقبلته وأحسنت تدريبه وتعليمه, وأتاك ضعيف متمسكن فقويته ورعيته وسودته ومكنته، تفاجأ باستطالته عليك وانقلابه على جميلك وعرفانك!
يطرق بابك يوماً صديقاً، فتخرج له في وقت متأخر من الليل ويناجيك وينخاك بألفاظ الرجولة والشهامة مستفزعاً بجاهك ومالك شاكياً لك شدة حاجته إليك، فتجيبه بما تملكه وأكثر مما لا تملكه لترفع عنه ما أصابه من هم وغم وعسر، فتمر الأيام والدهور فتنزل بك فائقة علم بها القريب والبعيد والأمر بلغه ووصل إليه فلا تراه يسأل عنك أو يواسيك أو يخفف عنك ولو بكلمة تؤازرك أو تنفخ فيك شعور الأخوة والتعاضد.
فماذا عساك وتراك أن تفعل؟ أستلوم الخير وتندب حظك لما قمت به؟ أستعيشٌ حالة المشؤوم من العمل الخيري؟ أم ستقطع عهداً على نفسك بأن لا تعود يوماً على أحد بنفع وإحسان؟
إليك الدواء الذي ليس بعده دواء:
معروفك وإحسانك (احفره وادفنه) قم به لله وحده، وامحضه لوجه الكريم، وأنقصه في ناظريك، وعود نفسك اليأس من انتظار الشكر والثناء، بل عليك أن تظن أن السوء والنكران سيلحق بك ممن أحسنت له وإليه بهذا جمعت بين الخيرين والفضيلتين أجر الإخلاص والراحة والاطمئنان.