من البديهي أن ترحب الشعوب التي ساندتها الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهتها للدكتاتورية وتخلصها من الأنظمة الفاسدة بتلك المواقف، على الرغم من تباين مواقف وإجراءات المواجهة مع الأنظمة التي تهاوت بعد أن طفح كيل الشعوب، وتباين نبرة اللغة في وجوب الاستجابة لرغبة الجماهير، وهو ما لُوحِظَ في شدة التعامل وارتفاع نبرة اللغة مع نظام الرئيس السابق مبارك وخُفُوتها تجاه نظام الملالي في إيران، إلا أن هذه السياسة الأمريكية التي تعتمد على التبشير بالديمقراطية يتناقض تماماً مع سياستها تجاه القضية العربية المركزية، القضية الفلسطينية، إذ إن الموقف الأمريكي المؤيد لدولة وحكومة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي يعني بالنسبة لنا كعرب وفلسطينيين وحتى مسلمين موافقة ضمنية على سياسة التمييز العنصري والظلم والاضطهاد بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما يُعَدُّ تناقضاً وفجوةً كبيرةً بين الدعوة الأمريكية لنشر الحرية والديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي أَقرَّتْها وتَبنَّتْها قرارات الأمم المتحدة وتَحُثُّ عليها المواثيق والأعراف الدولية.
إن الإدارة الأمريكية تعلم تماماً حجم الانتهاكات والتجاوزات والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها دولة الاحتلال الإسرائيلي وتَنَكُّرها للقوانين والمواثيق الدولية، ولكنها وفي الوقت نفسه تتعمَّد وتعجز عن اتخاذ موقف عملي وإجرائي ضد إسرائيل، بل تعرقل التحرك للقيام بأي إجراء أممي يضع حداً لجرائم وانتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعل هذه الدولة فوق القانون الدولي مستقوية بالموقف الأمريكي.
وهكذا، فإن شعوب المنطقة التي تلقت بترحيب دعم الإدارة الأمريكية لرغبات الشعوب في رفع الظلم والتسلط المفروض عليها من بعض الأنظمة، ترى أن المعيار الحقيقي لمصداقية الدعوات الأمريكية للديمقراطية هو إجراءات وقرارات عملية في المحافل الدولية تؤيد الحقوق الفلسطينية، أما غير ذلك فإن المواطن المسلم والعربي والفلسطيني يعتبر ما تروجه الإدارة الأمريكية مجرد إعادة رسم لمواقعها بالمنطقة، وليس صحوة ضمير للإدارة الأمريكية التي تروج بأنها تنحاز الآن للشعوب أكثر من الأنظمة.
JAZPING: 9999